الرأي

بيبي الصغير وحلم «إسرائيل الكبرى»!

علي المطوع


يبدو أن الحرب في غزة ستستمر طويلا، ويبدو أن الإسرائيليين كمعارضة وشريحة لا بأس بها من شعبها المحتار، يرون أن الأسرى أولوية قصوى في أي تسوية تطرح هنا أو هناك.

دعونا نعود إلى الوراء قليلا، فقادة حماس كانت حساباتهم مبنية على حرب لا تتخطى الأشهر، بنيت هذه الفرضية على ظروف عدة أهمها، تجاربهم السابقة مع العدو، ثم محور ما كان يعرف بالمقاومة وردة فعله المأمولة والمنتظرة، وظروف إسرائيل الداخلية والوضع المأزوم في غزة منذ أكثر من سبعة عشر عاما، إضافة إلى البعد العسكري الصرف الذي بنت عليه قادة حماس جل حساباتهم للفعل وردته؛ إسرائيليا وإقليميا ودوليا، ولذلك كانت عملية السابع من أكتوبر عملية لم ولن يستطيع الشارع الإسرائيلي بنخبه وعوامه بعلمانييه ومتدينيه أن يبلعها، وخاصة أنها كانت وما زالت تشكل تهديدا وجوديا للكيان الإسرائيلي الغاصب، ونتائجها مسحت بكرامة الجيش الذي لا يقهر عندما استطاع ثلة من الجنود وعبر وسائل بسيطة، خدش كبرياء العسكرية الإسرائيلية وتمريغه في وحل غزة وغلافها.

الجيش الإسرائيلي لم يبق في غزة شيئا يصلح للحياة، كل صور الإبادة الجماعية وتجلياتها أظهرها الجيش الإسرائيلي في ذلك القطاع، القتل والتدمير ثم التجويع، من أجل كسر إرادة الإنسان الغزي البسيط الذي ما زال يتمسك بأرضه ويرى فيها المكان الأمثل للموت كما كانت مكانا قدريا للحياة.

المفاوضات وما صاحبها من سجالات بين الطرفين أكدت أن إسرائيل تستخدم هؤلاء الأسرى وسيلة لإطالة مدة الحرب وليس لإنهائها، لأن الهدف من هذه الحرب الذي كان أو الذي أصبح، هو تهجير أهل غزة من أرضهم وفرض سياسة الأمر الواقع بحجة أن إسرائيل قد تعرضت لهجوم بربري هدد المستوطنين على أطراف غزة!

اليوم، إسرائيل تعيش تناقضا كبيرا على مستوى الحضور في الإقليم والداخل والخارج البعيد، فالهجمات المتوالية على سوريا وإيران، والتهديد لإنشاء ما يعرف بإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، كل ذلك يؤكد أن الفكرة الصهيونية بدأت ومعها بذور فنائها، فحرب غزة والخسائر التي تتكبدها إسرائيل وحالة الانقسام التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، كل تلك الأشياء تؤكد أن نتنياهو وفريقه يحلمون بما هو فوق طاقات ومستويات الخيال الطبيعي الذي يحق للإنسان العادي أن يحلم به، فما بالك بسياسي يفترض أن يمارس السياسة من بابها الأوسع وهي الواقعية قبل كل شيء.

حرب غزة الأخيرة تحمل في طياتها أسرارا كثيرة، وتظهر عوار العسكرية الإسرائيلية التي تثبت أن إسرائيل على مستوى الردع ليست سوى سلاح طيران فقط، أما القطاعات العسكرية الأخرى، فحرب غزة توكد أن الجندي الإسرائيلي لا يمكنه القتال بريا في مساحات ضيقة أو شاسعة، بسبب تركيبته النفسية وخبراته القتالية التي تقوم على التحصن أولا ومن ثم الرمي، وهذا الحال هو ما أخر الحسم في غزة ويجعل الجانب المقابل يصمد أكثر وأكثر.

إسرائيل نفضت يدها مبكرا من كل مبادرات السلام وأهمها المبادرة العربية التي كانت في قمة بيروت، والتي كانت في الأصل مقترحا سعوديا، فهي تعيش على وهم إفناء الجوار ليتحقق لها البقاء، وهذا أمر مخالف للعقل والمنطق، فإسرائيل جسم غريب مهما امتلك من مقومات البقاء فمصيره الزوال، بحكم الواقع والمستقبل الذي يؤكد أن هذا الكيان وجد ليخدم أجندات بعيدة لكيانات رأت في هذا المشروع فرصة لممارسة الاستعمار عن بعد على المنطقة وشعوبها.

من يدري حتى لو أرادت إسرائيل السلام مع جيرانها، فهل يضمن هذا السلام استمرار الدعم الغربي لها، وخاصة أن الغرب أراد ويريد من وجود هذا الكيان، رفع وتيرة التوتر في المنطقة وجعلها تعيش أجواء الأزمات، وليس إشاعة السلام والاستقرار تحت أي عنوان؟!