الرأي

الاقتصاد الحضري الجديد: مدن تصنع القيمة

وليد سعد الشهري


لم تعد المدينة الحديثة مجرد مساحة سكنية، ولا مجرد مركز خدمات حكومية. في الزمن الذكي، أصبحت المدينة محركا اقتصاديا مستقلا، ينتج القيمة، ويولد الفرص، ويعيد تشكيل أنماط العمل والاستهلاك والاستثمار.

نحن أمام تحول جوهري من «مدينة تدار بالميزانية» إلى «مدينة تنتج الدخل وتبتكر النماذج».

ومن «مدينة تستهلك الخدمات» إلى «مدينة تصدّر الحلول».

هذا هو الاقتصاد الحضري الجديد: اقتصاد المدن الذكية الذي يجمع بين التقنية وريادة الأعمال، بين البيانات وسلاسل القيمة، بين الذكاء الصناعي والنشاط البشري.

ما أبرز ملامح هذا الاقتصاد الجديد؟

أولا: المنصات كأصول حضرية: لم تعد الأرصفة فقط هي البنية التحتية... بل أصبحت المنصات الرقمية (كأنظمة التنقل، والتسوق، والعمل الحر) جزءا أساسيا من القيمة الاقتصادية للمدينة.

ثانيا: البيانات كعملة حضارية: البيانات التي تجمعها المدينة من الحركة، والخدمات، والاستهلاك، يمكن تحويلها إلى قرارات استراتيجية، أو حتى منتجات قابلة للتداول والتحليل والاستثمار.

ثالثا: المدن كمختبرات للابتكار: توفر المدن الذكية بيئة حقيقية لاختبار حلول رقمية مبتكرة في مجالات: الطاقة، النقل، التعليم، الترفيه، البيئة... ثم تعميمها كتجربة رائدة على مستوى الوطن أو حتى التصدير إقليميا.

رابعا: دعم الاقتصاد الدائري: المدن الذكية تفعل نموذج الاستهلاك الذكي، وإعادة الاستخدام، وتقليل الفاقد، مما يعيد صياغة علاقة الناس بالموارد، ويوفر فرصا جديدة لريادة الأعمال المستدامة.

في المملكة العربية السعودية، يعد تمكين الاقتصاد الحضري من أولويات رؤية 2030، عبر برامج ومبادرات مثل:

- برنامج جودة الحياة الذي يعيد تعريف دور المدينة في دعم الاقتصاد الثقافي والسياحي.

- مبادرة المدن الذكية التي تشجع على الاستثمار في الحلول الرقمية.

- التحول الرقمي البلدي الذي يحول الأمانات من أجهزة خدمية إلى منصات اقتصادية ومجتمعية.

بل إن مدينة مثل نيوم صممت منذ اللحظة الأولى لتكون اقتصادا جديدا بحد ذاتها... اقتصادا مبنيا على المعرفة والتقنيات الخضراء، وتوأمتها الرقمية، وابتكارات العيش الحضري.

أيها المسؤول، لا تكتف بسؤال «كم عدد المشاريع؟ كم مساحة المدينة؟» بل اسأل:

- كم فرصة عمل ذكية وفرتها المدينة؟

- ما حجم الاقتصاد الجديد الذي بني على البيانات والمعرفة؟

- هل مدينتك تستهلك... أم تنتج؟ تقلد... أم تبتكر؟

في ظل رؤية السعودية 2030، لم نعد نطمح فقط إلى مدن جميلة... بل إلى مدن اقتصادية ذكية، تنتج القيمة، وتفتح الآفاق، وتمنح الإنسان مكانا ليبني مستقبله بيده.