الرأي

خطوات الذئب: رحلة في تخوم الطبيعة والإنسان

لبنى حجازي
في كتابه Lone Wolf: Walking the Faultlines of Europe (2025)، يقدم الكاتب والصحفي البريطاني آدم ويماوث رحلة فريدة تتجاوز مجرد التتبع البيئي، لتصبح تأملا في عمق العلاقة بين الإنسان والطبيعة. يتتبع ويماوث خطى ذئبة سلوفينية تدعى سلافك، غادرت موطنها مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وهي مزودة بجهاز تتبع، لتعبر جبال الألب نحو شمال إيطاليا، في مسار نادر أعاد الذئاب إلى مواطن هجرتها منذ أكثر من قرن.

الكتاب ليس مجرد سجل لمغامرة طبيعية، بل دراسة متكاملة لطبقات العلاقة بين الإنسان والبرية، بين الحنين إلى الطبيعة والمخاوف الكامنة من عودتها. على طول الطريق، التقى ويماوث فلاحين يعتبرون الذئاب تهديدا لمزارعهم، وعلماء يرون فيها مؤشرا على تعافي النظم البيئية، فكون من شهاداتهم لوحة فسيفسائية تعكس التباين العميق في الرؤى والمواقف داخل أوروبا المعاصرة.

يمتزج في النص سحر الوصف بدقة الملاحظة؛ إذ يرسم المشاهد الغابية بألوانها الخريفية المائلة إلى الصفرة، ويعكس الانقسامات السياسية والاقتصادية التي تحيط بعودة الذئب، جاعلا من هذا الحيوان رمزا لأسئلة أوسع عن الهوية والحدود والخوف من الآخر. ورغم أن النص يتأرجح بين السرد البيئي وأدب الرحلات، فإن ويماوث، في سعيه لاستحضار البعد الرمزي للذئب، ينزلق أحيانا إلى شعرية مفرطة قد تضعف الصرامة التحليلية، وتحول بعض الصفحات إلى تأملات أقرب إلى النثر الحر من التقرير الميداني.

ومع ذلك، تظل قوة الكتاب في قدرته على الجمع بين الرحلة الخارجية والرحلة الداخلية؛ فالمسير وراء الذئب يتحول إلى تأمل فلسفي في موقع الإنسان المعاصر بين الطبيعة والتقنية، بين الألفة والمجهول، وبين الماضي والحاضر. إنه نص يفتح نافذة على أوروبا اليوم، على انقساماتها السياسية، وجروحها التاريخية، وتوتراتها البيئية، وعلى العوالم التي غالبا ما تغيب عن أعين الأخبار العاجلة، لكنها تظل نابضة في عمق البراري.

لماذا هذا الكتاب؟

لأن Lone Wolf لا يحكي فقط عن الذئاب أو الطبيعة، بل عن أوروبا اليوم: عن الانقسامات السياسية، والصراعات البيئية، وجروح التاريخ التي ما زالت تشكل حوارا بين الإنسان والطبيعة. الكتاب يطرح أسئلة كبيرة: أين يقف الإنسان بين الحضارة والبرية؟ بين التقدم والتوازن البيئي؟ بين الألفة والمجهول؟ إنه دعوة للتمسك بالتأمل، ولرؤية العالم بعيون من يجرؤ على السير خلف الذئب، ليتعلم أن الخطوط الفاصلة بين البرية والمأهول ليست ثابتة، وأن الحوار بين الإنسان والبرية يظل قائما ما دام هناك من يراقب ويتابع ويستمع إلى خطوات الذئب.

في النهاية، هذا الكتاب ليس مجرد رحلة وراء حيوان مفترس، بل مسيرة في الذات البشرية، واكتشاف لعالم غالبا ما يغيب عن أعيننا، لكنه حاضر في عمق البراري، وفي صمت الغابات، وفي خطوة الذئب التي تعيد رسم خرائط البرية في قلب أوروبا.

ويدخل الكتاب ضمن أدب الرحلة لأنه يجمع بين السفر الفعلي، حيث يتتبع المؤلف خطوات الذئب «سلافك» عبر أوروبا، والملاحظة الدقيقة والوصف التفصيلي للطبيعة والثقافات والتباينات السياسية والاجتماعية. يرتبط هذا بتأملاته الشخصية حول البيئة والثقافة والسياسة، مما يضفي طابعا أدبيا شخصيا يماثل أدب الرحلة الكلاسيكي.