استقلالية أعضاء مجلس الأمناء الإدارية!
السبت / 14 / ربيع الأول / 1447 هـ - 23:02 - السبت 6 سبتمبر 2025 23:02
مجلس أمناء أي جامعة هو أعلى جهة مسؤولة في الجامعة عن وضع سياساتها الاستراتيجية واتخاذ قراراتها الرئيسية، فهو الذي يحدد رؤيتها وأهدافها على المدى البعيد، وهو الضامن لتحقيق رسالتها وأهدافها الأكاديمية والمجتمعية، وهو من يراجع أداءها الأكاديمي، ويقر ميزانيتها ويوجه مواردها المالية بما يحقق استقرارها ونموها، وله سلطة تعيين قياداتها العليا، كترشيح رئيس الجامعة والموافقة على تكليف نوابه، ومتابعة أدائهم، كما أنه المسؤول الأول عن كل سياساتها العامة في القبول والتوظيف والتطوير الأكاديمي والبحث العلمي، وفي المحصلة يضمن التزامها بمعايير الحوكمة، وتقييم الأداء، وضمان الاستقلالية والنزاهة والشفافية في جميع عملياتها.
وقد حددت المادة (12) من نظام الجامعات آلية تكوين مجلس الأمناء، وخصت الفقرة (4) منها بأن يكون ثلاثة من أعضاء المجلس هم من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، يرشحهم مجلس الجامعة، وهذه الفقرة يفهم منها (على الأقل من ناحية إدارية تنظيمية) ألا يكون لهؤلاء الأعضاء الثلاثة علاقة إدارية مباشرة بعمل إدارة الجامعة أو عضوية في مجلسها، لأن المنطق الإداري السليم يفترض هذا الفهم، ولا يفترض تكرار الأعضاء في مجالس إدارية تعلو سلطاتها على بعضها بعضا، وإلا لانتفى غرض تكوينها من الأساس!
ولعل صمت الفقرة المذكورة عن صراحة استقلالية الأعضاء المحددين بها له مبرراته النظامية بعيدة المدى، كالنظر في تعميم المصلحة وعدم التضييق فيما فيه سعة لتحقيقها، ولا يلام المشرع الأكاديمي في نظرته هذه إذا ما أخذنا في الاعتبار انتشار الجامعات وتفاوت الخبرات والكفاءات فيما بين أعضائها، ولكن في المقابل يجب ألا تغفل النواحي الإدارية الأخرى التي من شأنها تحقيق الحيادية والتمثيل النوعي المنضبط، وتحقيق أغراض وأهداف الأنظمة واللوائح الضابطة لعملها.
وفي ظل مساحة تعميم المصلحة العامة في الفقرة المذكورة قد تقبل عضوية واحدة (على الأكثر) في مجلس الأمناء ممن لهم علاقة إدارية مباشرة بإدارة الجامعة، عند الحاجة والحاجة فقط، ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أو بأي منطق إداري سليم أن يكون كل الأعضاء الثلاثة نوابا في الجامعة أو أعضاء في مجلسها، وإلا أصبحت هذه المساحة مدخلا نظاميا لإلغاء تنويع التمثيل الإداري الصحيح، وبابا مشرعا لتكرار الأفكار وانحسارها في دائرة واحدة محددة ومحاطة بالطموحات والتطلعات نفسها، فضلا عن مسائل الرقابة الاعتيادية والمحاسبة الدورية.
مجلس الأمناء إن خلا من تمثيل أعضاء مستقلين من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة (أي ليس لهم صفة إدارية أو علاقة بإدارتها الحالية)، حتى وإن سكت النظام عن مسألة الاستقلال التي أشرنا إليها آنفا، واستبدلوا بنواب رئيس الجامعة أو بأعضاء في مجلسها، فإن هذا قد يؤثر - بأي شكل كان - على نوعية القرارات والتصورات المستقبلية التي يبني عليها مجلس الأمناء تصوراته، أو حتى مناقشته لعمل إدارة الجامعة، أو ترشيح رئيس لها، أو الموافقة على تكليف نوابها، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان بأن الموافقة على تكليف النواب هي من مهام مجلس الأمناء الرئيسية، كما في الفقرة (6) من المادة (13) من النظام نفسه، وهنا يقع ما يسمى بتضارب المصالح (Conflict of Interest) فيما بين المجالس المحوكمة لعمل الجامعة الإداري.
ومع الاحتفاظ بالاحترام والتقدير لكل الأمناء في أي مجلس كانوا، والثقة قائمة فيهم جميعا وفي حياديتهم ورجاحة آرائهم، ولكن نحن نتحدث عن عمل مؤسسي منضبط باللوائح والأنظمة، ومتسق مع المنطق الإداري السليم، البعيد عن المخارج النظامية والتبريرات الاضطرارية، خاصة أن كل الجامعات تضم الكثير والكثير من الكفاءات الوطنية والعقول الإدارية المتميزة، والهدف الأسمى هو تطوير العمل الإداري المؤسسي، وتنويع تمثيل الأعضاء بما ينعكس إيجابا على العمل الأكاديمي والإداري على حد سواء.
ربما في مراعاة ما ذكرناه عند تشكيل مجالس الأمناء في الجامعات فرصة حقيقية لاستحداث مجالس أمناء تتمتع باستقلالية تامة، وتكون قادرة بذاتها على خلق فرص للتوازن وتحقيق المصلحة العامة، والحفاظ على مبدأ تنويع التمثيل الإداري والاستفادة مما يرشح عنه من إيجابيات على المستوى التنظيمي والإبداعي، إذ لا شح في خبراتنا الأكاديمية وقياداتنا الإدارية حتى يتم تكرار فئة معينة في أكثر من موقع إداري في الجامعة الواحدة، سواء في مجلس الأمناء أو مجلس الجامعة أو في إدارتها العليا.