جامعة الملك سعود بين تهميش الآداب وإبراز الفنون
الاثنين / 9 / ربيع الأول / 1447 هـ - 14:43 - الاثنين 1 سبتمبر 2025 14:43
عندما نتحدث عن جامعة الملك سعود أو نبدي ملاحظات على ما يجري في مسيرتها فذلك نابع من الوضعية التي احتلتها الجامعة؛ فهي الجامعة الأم في سلسلة تلك الجامعات، وبالتالي صار ينظر إليها كجامعة نموذج ينبغي أن يحتذى في جميع الجوانب الأكاديمية، ولذا يلاحظ كيف تبعت الجامعات الحديثة جامعة الملك سعود في بناء هياكلها واختيار أسمائها حتى فيما لم يكن مناسبا في جامعة الملك سعود؛ ومن الأمثلة على ذلك كلية اللغات والترجمة التي أنشئت في جامعة الملك سعود كأول كلية بهذا الاسم في المملكة في ظل وجود كلية الآداب، مع أن اللغات تأتي في صميم كليات الآداب بل هي أساس تلك الكليات ومرتكزها، فسارت بعد ذلك العديد من الجامعات على نهجها وأنشأت كليات مماثلة بالاسم نفسه، مع أنها لا تضم في تلك الجامعات إلا قسم اللغة الإنجليزية. كذلك كلية العلوم الطبية التطبيقية التي أنشأتها جامعة الملك سعود قبل أي جامعة أخرى، ولأن هذه الكلية تطبيقية بطبيعتها مثل كلية الهندسة فلا ضرورة لكلمة التطبيقية في اسمها، ومع هذا تبعتها الجامعات الأخرى بكامل الاسم.مع إنشاء كلية الفنون في جامعة الملك سعود كأحدث كلية قامت الجامعة بإجراء تغييرات وتعديلات على كليتي الآداب واللغات والترجمة، شملت أسماء هاتين الكليتين، وفيما يظهر أن تلك التغييرات والتعديلات جاءت كمحاولة لوضع كلية الفنون الجديدة في إطار يتصور قبوله دون النظر لصحة هذه التعديلات من الناحية العلمية الأكاديمية الصرفة؛ فتم تغيير اسم كلية الآداب إلى كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، وتغيير اسم كلية اللغات والترجمة إلى اسم كلية اللغات وعلومها. ويبدو جليا أن تغيير اسم كلية الآداب من أجل كلية الفنون، إذ إن الآداب باللغة الإنجليزية (The Arts) والفنون (The Arts) يعني الاسم نفسه، ولهذا ضحت الجامعة باسم كلية الآداب مع أن الآداب والفنون مجال واحد.وعند النظر إلى اسم كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية نجده قد جاء على حساب اسم كلية الآداب، ذلك الاسم المميز الذي له أهمية تاريخية خاصة في منظومة المؤسسات الأكاديمية على مستوى المملكة؛ فكلية الآداب أقدم كلية في أقدم جامعة في المملكة؛ وتغيير اسمها دون ضرورة خطأ - ليس من الزاوية الأكاديمية فحسب وإنما من الزاوية التاريخية كذلك - قد يكون متخذ القرار غير مدرك لتبعاته أو أنه غير مهتم بذلك. وفي خضم هذا التغيير تم نقل قسم اللغة الإنجليزية إلى كلية اللغات وعلومها، بينما أبقي قسم اللغة العربية في هذه الكلية التي لا يعبر اسمها الجديد عن قسم اللغة العربية، وبقاؤه في هذه الكلية يؤكد ضرورة بقاء اسم كلية الآداب.وفيما يخص كلية اللغات وعلومها (كلية اللغات والترجمة سابقا) فقد جاءت هذه الكلية محملة بالعديد من التناقضات في بنيتها، مما يؤكد أن العشوائية كانت الطريق في إنشائها وهيكلتها؛ فمن العجائب في هذه الكلية وجود قسم واحد للغات الأوروبية والشرقية يضم سبع لغات، وهي: الإسبانية والألمانية واليابانية والروسية والعبرية والفارسية والتركية، وهنا نتساءل كيف يقدم هذا العدد من اللغات في قسم واحد؟ ثم تفرد لغات أخرى بأقسام مستقلة وهي: قسم اللغة الإنجليزية وقسم اللغة الفرنسية وقسم اللغة الصينية، ونتساءل مرة أخرى أليست هذه اللغات الثلاث التي أفردت لها أقسام مستقلة من اللغات الأوروبية والشرقية التي وضعت في قسم واحد؟ فعلى أي أساس تخصص لها أقسام مستقلة بينما اللغات الأخرى سابقة الذكر تكون في قسم واحد؟ والأعجب مما سبق هو إفراد اللسانيات بقسم مستقل مع أن اللسانيات مسار تخصصي في كل لغة ويمثل جانبا من مجالاتها مثل الأدب تماما، فهل هذا التخصيص لهذا المسار جاء لاعتبارات شخصية؟ ثم كيف تخصص الجامعة كلية للغات وعلومها ثم لا يكون قسم اللغة العربية تابعا لها، وخاصة أن اسم الكلية شامل لكل اللغات ولا يدل على أنها خاصة باللغات الأجنبية.أما كلية الفنون التي ضحت الجامعة من أجلها بالكثير من الأسس الأكاديمية فقد برز هيكلها على درجة عالية من التضخيم والتفخيم المبالغ فيه، ويؤكد ذلك نقل قسم التربية الفنية من كلية التربية وحشره في هذه الكلية، مع أن قسم التربية الفنية يمثل أحد أقسام كليات التربية الأساسية في أي جامعة. والحقيقة التي يجب التأكيد عليها أن «الفنون» لا يستدعي أن يكون لها كلية خاصة بأربع سنوات دراسية، وإن وجدت حالات بهذه الوضعية في جامعات أخرى؛ فالفنون عادة ما تقدم تحت اسم معهد الفنون لأن دراستها لا تتطلب أن تكون أربع سنوات، ثم إن اسم المعهد لا يقلل من أهمية الفنون، فهذا معهد الإدارة العامة من أهم مؤسسات الدولة وأنجعها، كما يوجد العديد من معاهد الفنون ذات التاريخ العريق في المنطقة العربية، والخيار الآخر أن تكون الفنون ضمن أقسام كلية الآداب بأكثر من مسار، كما هو حال قسم الإعلام، في حالة الإصرار على أن تكون أربع سنوات فهي فلسفيا جزء من الآداب وهذا ممكن لو لم يتم نقل قسم التربية الفنية من كلية التربية إليها.moslehmoied@