الرأي

الكذب الأكبر: كيف تضلل المؤسسات والدول الكبرى العالم؟

عبدالله علي بانخر
يعد الكذب من قبل المؤسسات الكبرى والدول العظمى ظاهرة معقدة ومتجذرة في طبيعة السلطة. إنه ليس مجرد تصرف فردي، بل أداة استراتيجية تستخدم لتحقيق أهداف معينة، وغالبا ما تكون لها عواقب وخيمة. يمكن فهم هذه الظاهرة من خلال تحليل الدوافع الأساسية والأمثلة التاريخية التي تبرزها.1 - حماية المصالح الذاتية والتحكم في الرأي العام- تعد حماية المصالح الذاتية الدافع الأبرز للكذب. سواء كانت هذه المصالح اقتصادية أو سياسية، فإن إخفاء الحقيقة يصبح وسيلة للبقاء والسيطرة.- المصلحة الاقتصادية: قد تكذب الشركات الكبرى لإخفاء عيوب منتجاتها، أو لتضليل المستهلكين والمستثمرين، أو لتجنب العقوبات القانونية. فمثلا، قد تخفي شركة ما مخاطر بيئية أو صحية مرتبطة بمنتجاتها للحفاظ على أرباحها.- المصلحة السياسية: تلجأ الدول إلى الكذب لحماية سمعتها الدولية، أو للحفاظ على صورتها أمام مواطنيها، أو لتبرير قراراتها. يمكن أن يتم ذلك عبر نشر معلومات مضللة، أو إخفاء معلومات حقيقية، أو تضخيم تهديدات معينة لتبرير سياسات معينة.2- تحقيق أهداف استراتيجية وتجنب المساءلةتستخدم الدول الكذب كأداة لتحقيق مكاسب استراتيجية أو لتجنب تحمل مسؤولية أفعالها.- المكاسب الاستراتيجية: في العلاقات الدولية، قد تكذب الدول على خصومها أو حتى حلفائها للحصول على تفوق استراتيجي، أو لمنعهم من تحقيق مكاسب على حسابها.- التهرب من المسؤولية: قد تكذب المؤسسات والدول لتجنب تحمل المسؤولية عن أخطائها أو فشلها، سواء كان ذلك فشلا في إدارة أزمة معينة أو ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. يعتبر إخفاء الفساد وسوء الإدارة دافعين قويين أيضا.أبرز النماذج على مستوى المؤسسات والدول (مع المصادر والتواريخ)تظهر الأمثلة التاريخية كيف يمكن للكذب أن يصبح أداة استراتيجية لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، وأن عواقبه قد تكون وخيمة على المستويات المحلية والعالمية.على مستوى الدول- حرب فيتنام (الولايات المتحدة الأمريكية):النموذج: وثائق البنتاغون (Pentagon Papers).المصدر الرئيسي: New York Times Co. v. United States، قضية المحكمة العليا التي سمحت بنشر الوثائق في 30 يونيو 1971.المصدر الإضافي: كتاب «The Pentagon Papers: The Secret History of the Vietnam War» الذي جمعته صحيفة نيويورك تايمز، ونشر لأول مرة في عام 1971.- غزو العراق 2003 (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة):النموذج: حجة «أسلحة الدمار الشامل».المصدر: تقرير لجنة التحقيق البريطانية في حرب العراق، المعروف باسم «تقرير تشيلكوت» (Chilcot Report)، الذي صدر في 6 يوليو 2016.- كارثة تشيرنوبيل (الاتحاد السوفيتي):النموذج: الإخفاء والتعتيم على كارثة نووية.المصدر: تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) التي صدرت بعد الحادث، وأهمها تقرير «A Chernobyl-type Accident» الذي نشر في أغسطس 1986.المصدر الإضافي: كتاب «Chernobyl: The History of a Nuclear Catastrophe» للمؤرخ Serhii Plokhy، الذي صدر في 2018.على مستوى المؤسسات- فولكس فاجن (فضيحة «ديزل جيت»):النموذج: برنامج التلاعب بانبعاثات الديزل.المصدر الرئيسي: إعلان وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) عن كشفها للتلاعب في 18 سبتمبر 2015.المصدر الإضافي: قرار المحكمة الأمريكية للمقاطعات في كاليفورنيا بفرض غرامة على الشركة في 2017.- إنرون (الاحتيال المحاسبي):النموذج: الاحتيال المحاسبي.المصدر الرئيسي: إفلاس الشركة في 2 ديسمبر 2001، وصدور تقارير لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، التي وثقت الاحتيال في العامين التاليين.المصدر الإضافي: حكم إدانة شركة آرثر أندرسن (Arthur Andersen) بتهمة عرقلة العدالة في 2002 بسبب إتلافها وثائق إنرون.- توتال (دفع الرشاوى):النموذج: فضيحة «النفط مقابل الغذاء».المصدر الرئيسي: تقرير «برنامج الأمم المتحدة للنفط مقابل الغذاء» الذي أصدرته لجنة فولكر (Volcker Committee) في 2005. هذا التقرير وثق الانتهاكات والرشاوى التي قدمتها شركات متعددة، من بينها توتال.هذه المصادر المحددة بالتواريخ تعد نقطة بداية قوية لمن يريد التعمق في كل قضية، وتؤكد أن الأمثلة المذكورة هي وقائع موثقة وليست مجرد ادعاءات.