الإيكيجاي كمدخل للإرشاد القيادي: قراءة تطبيقية في تجربة شخصية
الخميس / 5 / ربيع الأول / 1447 هـ - 14:17 - الخميس 28 أغسطس 2025 14:17
يعد مفهوم الإيكيجاي (Ikigai) أحد المفاهيم اليابانية العميقة التي حظيت بانتشار عالمي في السنوات الأخيرة، ويترجم عادة إلى 'سبب الوجود' أو 'المعنى الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش'. يقوم هذا المفهوم على تقاطع أربع دوائر رئيسة: ما يحبه الإنسان، وما يجيده، وما يحتاجه العالم، وما يمكن أن يدفع له مقابله. وعند التقاء هذه الدوائر، ينشأ الإيكيجاي الذي يمنح الفرد شعورا بالرضا، والدافعية، والانسجام بين ذاته الداخلية ومتطلبات الحياة العملية.في السياق القيادي، يبرز الإيكيجاي كأداة مؤثرة في تعزيز وضوح الرؤية لدى القادة، ومساعدتهم على توظيف مواهبهم بصورة متوازنة بين الأبعاد الشخصية والمهنية. وقد أظهرت أبحاث حديثة أن وضوح الإيكيجاي يرتبط بانخفاض مستويات القلق النفسي والبدني، وتحسن المرونة الذهنية، وتعزيز جهاز المناعة، بالإضافة إلى إطالة العمر المتوقع وتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي.انطلاقا من هذا المنظور، خضت تجربة عملية مع الإيكيجاي في جلسة إرشاد قيادي ضمن برنامج الزمالة. كان الهدف الرئيس من الجلسة هو اكتشاف الإيكيجاي الشخصي والقيادي، وصياغة معنى واضح له يمكن أن يفعَّل في الحياة اليومية والمهنية. من خلال التفاعل مع الدكتور عادل باريان، تم تحديد أن جوهر الإيكيجاي الخاص بي يتمحور حول الموارد البشرية ورأس المال البشري، وهو ما يعكس ميولي الأكاديمية والعملية في هذا المجال.الجلسة كشفت عن وجود ترابط متين بين دوائر الإيكيجاي الأربع، حيث اجتمعت محبتي لمجال الموارد البشرية مع كفاءتي فيه، وحاجة العالم المتزايدة لهذا التخصص، إضافة إلى كونه مجالا مهنيا يوفر فرصا عملية ملموسة.هذا التلاقي جعل معنى الإيكيجاي أكثر وضوحا، وحدد لي اتجاها لمستقبل عملي يتمثل في نشر المعرفة وتفعيل أدوات الموارد البشرية داخل المنظمات.إن التأمل في هذه التجربة يؤكد أن اكتشاف الإيكيجاي ليس نهاية الرحلة، بل هو نقطة الانطلاق نحو رحلة مستمرة من التفعيل والتطوير. فالموهبة التي يكشفها الإيكيجاي لا بد أن تتحول إلى ميزة تنافسية فردية تشبه ما تفعله المؤسسات في إطار إدارة استراتيجياتها. ومن هنا، يصبح دور القائد هو استثمار هذا المعنى وتحويله إلى أفعال ملموسة تحدث فرقا في بيئته العملية والاجتماعية.في الختام، يمكن القول إن الإيكيجاي يقدم نموذجا متكاملا للقيادة الذاتية، إذ يجمع بين الشغف والمهنة والرسالة والدافع. وتطبيقه في السياق القيادي يعزز من قدرة القادة على وضوح الرؤية وصناعة الأثر. كما أن نشر هذا المفهوم، سواء عبر الكتابة أو الاستشارات أو التدريب، يسهم في خلق بيئات عمل أكثر وعيا وإنسانية، ويمنح الأفراد طاقة متجددة تدفعهم نحو الإبداع والتميز.