الرأي

خطاب للشعب الإسرائيلي يتعلى القبة الحديدية

شاهر النهاري


أيها الشعب الإسرائيلي، يا أبناء عمومة من تحاصرونهم وتسحقونهم بالهجمات الجوية والأرضية، وتكيلون عليهم العقوبة والمجاعات والإبادة الجماعية والتهجير، أتوجه إليكم اليوم بعد هذا العمر من العداء، بنداء لا ينتظر جوابا انفعاليا آنيا، بل ليحرك في مدارككم أسئلة عقلانية عميقة ستظل تطارد ما تبقى من ضمائركم ووعيكم ومشاعركم للقادم.

فهل يمكن لشعب، وأيا كانت قوته وتقنياته، أن يجد راحته وسلامته بحياة حقيقية وسط محاور الخوف المستمرة تتفجر من حوله بالريبة، ويعانق فيها الحرص والتخوين والدموية؟

وهل يمكن لتعداد بشري محدود، مهما ترقى وتسلح، ومهما عمل على تضخيم تعداده بالتجنيس المختلط، أن يتمكن من تنفيذ خطة العنصرية إسرائيل الكبرى، تسخر وتشطب شعوب المنطقة بعشرات الملايين، وأن يعيش بعدها مطمئنا وسط محيط متلاطم بأعداء صنعتهم وحمستهم سياسات حكومتكم الخيالية الغاضبة المقترفة للغي والظلم بلا حدود؟

ألا ترون أن الاعتماد على قوة السلاح والتكنولوجيا والتفجيرات والتجسس والدعم الخارجي ليس إلا حلولا عابرة؟ قابلة للزوال، لا تصنع سلاما مزهرا، بل تؤسس لعزلة خانقة كئيبة لأنفسكم.

ألا تستوعبون أن العيش بين أكوام الرماد والدماء والأحقاد ليست إلا شكلا من أشكال الموت البطيء لكم؟

وأن من لا يسالم جيرانه ولا يتعاون معهم ولا يمد يده بنوايا العيش المشترك المخلص معهم، إنما يخلق محيطا ملتهبا من الكراهية والانتقام المتأجج وسط مستوطنات الخوف وحمل السلاح وزرع المتاريس، في مبان خرسانية وملاجئ يحترق فيها شعبكم قبل غيره؟

هل سألتم أنفسكم عن كثرة الأعداء الصامتين من حولكم، والذين يفكرون ويخططون وينتفضون ويهجمون كلما ضاقت حياتهم بالظلم والحصار والتجويع وإجبارهم على التهجير القسري؟

وتخيلوا معي فماذا لو تحولت كل جبهة حولكم إلى ثكنة نار، وتحول كل إنسان مقهور إلى لغم يتمنى فرصة انتقام؟

ما هي مرئياتكم وشعبكم أصبح مهددا مكروها على مستوى العالم لا يضمن حياته وسلامته، بل يطلب الحماية المشددة لبعثاته الدبلوماسية وحتى لرحلات أفراده السياحية!

إن حكومتكم الحالية فاقدة للوعي السلمي المنطقي، ولا تفكر إلا في أهدافها التوسعية العنيفة، مستهينة بالقيم والمعاني، وأرواح الشعوب والحقوق والإنسانية، فكأنها نبتة نشاز لا ترى غير شوكها وشربها وغذاءها، حتى لو تحصلت عليها من دماء الأطفال وأشلاء الكبار، ورماد المدن، ومتناسية أن حياة الأرض لا تحتمل كل هذا العبث، فهي أقصر من أن تُهدر في حبك الخطط والمؤامرات والتعنصر، وحرمان الأجيال من حقوقها في حياة كريمة دون نقمة تتوارثها الأجيال، باحثة عن منفذ للالتفاف والانفجار.

صدقوني نحن نقدر لكم بعض ما تقومون به من رفض شعبي لمعظم تدخلات وحروب حكومتكم ولكنا نظل نتساءل، فهل تظن حكومتكم أن الجدران، والخنادق والقبب الحديدية مهما تعاظمت ستهبكم الراحة والطمأنينة، وأن التحالفات الظالمة مع الأقوياء مهما توسعت، قادرة على حمايتكم للأبد من حشود الغضب تتوالد وتتفجر غضبا يوما بعد يوم؟

ألا تدرك حكومتكم أن الأمن الحقيقي لا يبنى بالعنف، بل بالسلام والعدالة والتواضع، وأن التعايش لا يصنع بالقهر، بل بالتفاهم والإنصاف؟

أيها الشعب الإسرائيلي، نصيحة لكم، تداركوا مستقبلكم، وأثيروا أسئلتكم بوعي وتجرد من تولع حكومتكم بالدموية: هل تريدون أن تذكر دولتكم تاريخيا بكارثية ودموية، أم كدولة حضارة إنسانية عرفت طريقها للحياة والشراكة وتبادل المنافع عبر مرافئ السلام والعدالة مع من حولها؟

صحيح أن علاقاتكم بالشعوب العربية في أسوأ أحوالها، وأن إصلاح الحال يحتاج إلى وقت وتعقل وتضحيات من الطرفين.

ولكن السلام وإن بدا مستحيلا، والشواهد ومهما تعسرت تظل تحتاج النوايا الصافية لبدايات علاقات سليمة محترمة، وبمعرفة أن التاريخ لا يستعاد والجغرافيا لا يمكن مسحها، والجيرة قدر لا بد أن تبنيه وتتحمله أطرافها.

من قدم السبت المريح بصدق، وجد في بقية الأيام فسحة للأمل، وجمعة للمصير، ومن حبس نفسه في قمقم الماضي، فلن يكون له مستقبل مضمون، وسيندم هو وذريته من بعده مهما طال الظلم وارتسمت سياساته بتتبع وعود الحكايات الخرافية.