دين بلا سلوك كغيمة بلا مطر
الثلاثاء / 3 / ربيع الأول / 1447 هـ - 05:42 - الثلاثاء 26 أغسطس 2025 05:42
كما نعلم فإن الدين يعد قيمة عالمية ليست فقط في حياة المسلمين، وعندما نحاول فهم تأثير الدين على الإنسان فلا بد لنا أن ندرك أننا لا نتحدث عن الجانب التعبدي لأن كل العبادات هي تمثيل للعلاقة الخاصة مع الله تعالى، وهي علاقة لا تعني المجتمع من قريب أو من بعيد!
الدين إذاً عند المجتمع هو السلوك وليس الشكل التعبدي الخاص. هذه الحقيقة ثابتة وراسخة في الوعي الجمعي عبر مسيرة المسلمين كمثال منذ عهد النبوة الشريف. ولأن هذا الرسوخ في فهم قيمة الدين على أرض الواقع هو ثابت الأركان فكريا في أذهان الناس، فإن هذا الفهم لن يتغير! وستبقى قيمة الدين على أرض الواقع منصرفة كل الانصراف إلى المعاملات والسلوك.
ومن هنا فلن يجد المندفعون نحو تحقيق قيم الإسلام في أنفسهم عبر العبادات فقط، لن يجدوا أي تعاون من المجتمع وأفراده مهما اجتهدوا في العبادات، لأن للمجتمع حاجاته التي لا تلبيها عبادات الآخرين! هذا بدوره سيدفع باتجاه نشوء حالة من الصراع المجتمعي بين المقبول وغير الممكن تصوره أو قبوله في حالة الإصرار تلك التي نلحظها جميعا عند «المتعبدين من دون تحقيق للسلوك النبوي»، بحيث لن يمكن لملمة الصورة الذهنية غير القابلة للاندماج والتشكل، والتي يحاول المتعبدون غير السالكين مسالك الاستحقاق السلوكي المنضبط أن يصنعوها داخل المجتمع، وستظل مقاومة تلك الصورة قائمة وستظل تتفتت في أذهان الآخرين ولا تلتئم، لأنها لا بد لها من أن لا تصمد أمام الاستحقاقات الفردية والاجتماعية التي يريدها الفرد والمجتمع من المتعبد غير السالك مسالك السلوك الصحيح، ولذا ستظل حالة الصراع هذه قائمة، بل وستتنامى كلما عرف الناس حقوقهم المجتمعية على بعضهم بعضا أكثر!
الإغراق في الحالة التعبدية من دون أن تتنزل تلك الشعائر على النفس سلوكا وفكرا ونضجا وحكمة، يخرج العبادة عن مضمونها ولا يصنع بكل تأكيد مجتمعا سليما على المستوى النفسي، ويؤسس لحالة رفض دينية ليست في صالح المجتمع، ويشوه الدين في نفوس كثير من الذين لا يمتلكون الخبرة الكافية والوعي الديني الكافي ليفهموا أن الإسلام ليس هو السبب في وجود هذه الحالة، وإنما السبب في ذلك هم تلك الفئة المنتسبة للإسلام والتي لم تنضبط في تطبيقها للإسلام.
هذا النوع من الوعي مطلوب وبالغ الأهمية في مجتمعاتنا الإسلامية كلها، والوقوف عند هذه القضية بشيء من التحقيق العلمي الموضوعي غير المتكلف والبعيد عن الموروث الاجتماعي الفكري المقولب، معين في نهاية المطاف على تصحيح المسارات وتحقيق مستويات أعلى من النضوج الاجتماعي والنفسي داخل المجتمع.