الرأي

فاتورة الكهرباء بين النور والظلام

حسين باصي


في كل مرة أذكر أبنائي بضرورة إطفاء الأنوار، أستحضر ذكرى أبي رحمه الله وهو يوجهني وإخوتي للسبب ذاته، وكأن التاريخ يعيد نفسه في حب ترشيد الطاقة. تستهلك أنظمة الإضاءة في بعض المنشآت الصناعية ما يصل إلى 15-20% من إجمالي الطاقة السنوية المستهلكة. هذه الإحصائية المذهلة تؤكد أن الإضاءة، التي تبدو جزءا بسيطا من حياتنا اليومية، هي في الحقيقة مصدر رئيسي لاستهلاك الطاقة. كرست موضوعي لهذا الأسبوع على أفضل الممارسات التي يمكن أن تساعد في ترشيد استهلاك الطاقة في أنظمة الإضاءة، خصوصا في القطاع الصناعي، دون الحاجة لخبرة تقنية معقدة.

الممارسة الأولى والأكثر أهمية هي التحكم اليدوي البسيط. يمكنك تقسيم الإضاءة إلى «مناطق» أو «مجموعات» بحيث تضيء فقط الأماكن التي تحتاجها فعلا. على سبيل المثال، قد تحتاج ورشة عمل كبيرة إلى إضاءة كاملة أثناء ساعات الإنتاج، بينما يمكن إطفاء معظم الأضواء في المستودع الذي يستخدم بشكل متقطع.

هنالك حلول أكثر تطورا وتلقائية، فإن أنظمة التحكم التلقائي هي الخيار الأمثل. هذه الأنظمة لا تتطلب أي جهد، وتضمن أن الإضاءة لا تعمل إلا عند الحاجة.

أولا: أجهزة استشعار الحركة (Occupancy Sensors)، والتي تعمل على إضاءة الأماكن تلقائيا عند دخول شخص، ثم تقوم بإطفائها بعد مغادرته. هي مثالية للمكاتب، والممرات، والمخازن، والمستودعات.

ثانيا: خلايا الإضاءة (Photocells) والتي تستخدم غالبا في الإضاءة الخارجية، حيث تقوم بتشغيل المصابيح تلقائيا عند غروب الشمس وإطفائها عند شروقها.

ثالثا: المؤقتات (Timed Switches) وهي تساعد على تحديد أوقات عمل الإضاءة بناء على جداول زمنية محددة. يمكنك ضبطها لتطفئ الأضواء بعد ساعات العمل الرسمية، أو في عطلات نهاية الأسبوع، مما يحقق وفورات كبيرة.

لا يغيب عن بالي قصة أحد أقاربنا الذي كان يعتمد على هذا الحل لغايتين: الأولى اقتصادية تتعلق بترشيد استهلاك الكهرباء، والثانية أمنية لإيهام اللصوص بأن المنزل ليس خاليا خلال فترة غيابه. هذه الحيلة البسيطة تستحضر في ذاكرتي مشاهد من فيلم Home Alone، حيث فشلت خطة مماثلة عندما اكتشف اللصوص أن المنزل فارغ، لكنهم لم يدركوا أنهم على موعد مع مقالب لا تنسى من بطل الفيلم الصغير.

لا يمكن تحقيق كفاءة عالية دون صيانة دورية. مع مرور الوقت، تتراكم الأتربة والأوساخ على المصابيح والأسطح العاكسة، مما يقلل من كفاءة الإضاءة ويجعلها تستهلك طاقة أكثر لتقديم القدر نفسه من الضوء. لذلك، من المهم تنظيف المصابيح والوحدات بانتظام. علاوة على ذلك، لا تنتظر حتى تحترق المصابيح لإعادة استبدالها. يفضل اتباع خطة استبدال جماعي للمصابيح (Group Relamping) قبل نهاية عمرها الافتراضي بقليل. هذه الممارسة لا تقلل فقط من تكاليف الصيانة على المدى الطويل، بل تضمن أيضا أن الإضاءة تعمل دائما بأعلى كفاءة ممكنة.

أصبحت المصابيح الموفرة للطاقة، مثل مصابيح الفلورسنت المدمجة (CFL) ومصابيح الصمام الثنائي الباعث للضوء (LED)، متاحة وبأسعار معقولة. وتستمر أسعارها في الانخفاض، بينما تتحسن كفاءتها باستمرار. تتميز مصابيح LED بعمر افتراضي طويل جدا يصل إلى 50,000 ساعة، وتستهلك طاقة أقل بكثير مقارنة بالمصابيح التقليدية. وإذا كانت التكلفة الأولية للمصابيح الموفرة قد تبدو مرتفعة، فإنها توفر لك المال على المدى الطويل من خلال خفض فاتورة الكهرباء وتكاليف الصيانة.

باختصار، سواء كنت تستخدم أدوات تحكم يدوية بسيطة أو تعتمد على أنظمة تلقائية متطورة، فإن الوعي بأهمية ترشيد استهلاك الطاقة في أنظمة الإضاءة هو الخطوة الأولى نحو تحقيق وفورات كبيرة ومستدامة. لا تتردد في تبني هذه الممارسات الذكية، فهي استثمار في مستقبلك المالي والبيئي.