تعزيز القيمة في الرعاية الصحية السعودية
الخميس / 27 / صفر / 1447 هـ - 01:01 - الخميس 21 أغسطس 2025 01:01
شهدت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة تحولا كبيرا في القطاع الصحي تقوده وزارة الصحة، وذلك بالانتقال من نموذج يركز على العلاج التقليدي إلى نموذج يركز على الوقاية والرعاية الصحية المستدامة المبنية على القيمة. ويأتي هذا التحول ضمن إطار استراتيجي واسع يهدف إلى توفير تغطية صحية شاملة وتحسين جودة الحياة، انسجاما مع رؤية المملكة 2030.ومن أبرز ملامح هذا التحول عزيزي القارئ، التركيز الواضح على الخدمات الصحية الوقائية، وذلك خلال تصريح سابق من وزارة الصحة. حيث بادرت حكومتنا الرشيدة بتنفيذ برامج وطنية موسعة للفحص المبكر للأمراض، وتعزيز برامج الكشف المبكر، وتوسيع حملات التطعيم. هذه المبادرات ساهمت بشكل كبير في تعزيز الصحة العامة وتحقيق نتائج صحية أفضل على المدى الطويل، مع تقليل الحاجة إلى التدخلات العلاجية المكلفة.وتبرز أهمية منصة «صحتي» الافتراضية، كجزء من استراتيجية المملكة لتطوير الخدمات الصحية الرقمية، حيث تعتبر هذه المنصة من الأكبر عالميا، وتشكل معيارا عالميا في مجال الطب عن بعد، حيث تتيح الوصول إلى خدمات طبية متخصصة في المناطق البعيدة. هذه المبادرة نجحت بشكل واضح في تقليل الفجوة بين المناطق الريفية والحضرية فيما يتعلق بالرعاية الصحية، من خلال توفير استشارات متخصصة من أفضل الخبراء في مختلف المجالات الطبية.وفي سياق متصل، تلعب المنصة الوطنية لتبادل المعلومات الصحية والتأمين الصحي (NPHIES) دورا محوريا في تعزيز التحول الرقمي في القطاع الصحي. حيث عالجت هذه المنصة أكثر من 30 مليون معاملة تقريبا، مما يظهر قدرة المملكة الفائقة في رقمنه القطاع الصحي وتسهيل عملية التواصل بين المرضى ومقدمي الخدمات الطبية وشركات التأمين.كذلك عزيزي القارئ، تولي حكومة المملكة اهتماما كبيرا بتطوير قطاع التقنية الحيوية، والذي يعد من القطاعات الواعدة التي يتوقع أن تلعب دورا كبيرا في تحقيق ريادة المملكة العالمية في مجال الأبحاث الطبية والابتكار بحلول عام 2040. ومن أبرز الإنجازات التي تحققت في هذا المجال موافقة الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية (SFDA) على العلاج الجيني القائم على تقنية كريسبر (CRISPR)، وهو ما يمثل نقلة نوعية في علاج الأمراض الوراثية والمستعصية.وتسعى المملكة أيضا، من خلال الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية إلى خلق بيئة داعمة للابتكار والبحث العلمي، وتقديم تسهيلات كبيرة للمستثمرين الدوليين في مجال البحث والتطوير، بهدف تعزيز مكانة السعودية كمركز عالمي للابتكار الحيوي. ومن جانب آخر، لعبت الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP) دورا بارزا في هذا التحول، إذ تشجع الحكومة الاستثمار الخاص في المستشفيات والعيادات الطبية وشركات الإمدادات الطبية، بهدف تعزيز الاستثمار والابتكار دون المساومة على جودة الخدمات المقدمة.وتظهر البيانات الحالية، أن إجمالي الاستثمارات في القطاع الصحي السعودي يبلغ حوالي 40 مليار دولار تقريبا، مما يجعل المملكة في صدارة دول المنطقة من حيث حجم الاستثمار الصحي للفرد. ومن أبرز النجاحات التي تحققت في مجال الاستثمار الصحي طرح أسهم شركة الدكتور سليمان الحبيب الطبية للاكتتاب العام، إلى جانب التطور الكبير في مجموعة فقيه للرعاية الصحية. وحقق قطاع الصناعات الدوائية نموا كبيرا، حيث بلغ معدل النمو السنوي المركب حوالي 9% تقريبا، وهو من أعلى المعدلات بين دول مجموعة العشرين. كما يتوقع أن تصل قيمة سوق الأجهزة الطبية في المملكة إلى نحو 80 مليار ريال سعودي تقريبا بحلول عام 2030. وشهد قطاع التأمين الصحي التجاري نموا واضحا، حيث ارتفع عدد المؤمن عليهم من نحو 3 ملايين تقريبا في عام 2011 إلى أكثر من 12 مليونا تقريبا في العام الماضي.تبرز أهمية هذه التحولات وانعكاساتها، بشكل واضح على المجتمع السعودي لقيادة وزارة الصحة والقطاعات المعنية الأخرى مثل وزارة الصناعة والثروة المعدنية ووزارة الاستثمار وغيرها، حيث ساعدت في تعزيز الوعي الصحي لدى الأفراد، وتحسين جودة الحياة بشكل عام. كما أسهمت في تقليل العبء الاقتصادي الناتج عن علاج الأمراض المتقدمة، مما يمكن من توجيه الموارد المالية نحو التنمية والتطوير في مجالات أخرى. فضلا عن ذلك، عززت هذه التحولات مكانة المملكة كوجهة صحية عالمية، وجعلتها نموذجا يحتذى به في الرعاية الصحية المستدامة والابتكار.وفي الختام، يعكس التحول الصحي الذي تشهده المملكة رغبة جادة في إحداث نقلة نوعية في طريقة تقديم الرعاية الصحية، وتأكيد التزامها بتحقيق نظام صحي قائم على القيمة، يكون محوره الأساسي تحسين جودة حياة المواطن والمقيم، وتعزيز كفاءة النظام الصحي الوطني بشكل شامل ومستدام.nabilalhakamy@