الرأي

ثمانون عاما على إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما، والدروس التي لم تتعلمها البشرية بعد

فيصل الشمري
أعتذر للقارئ الكريم على تأخري في كتابة هذا المقال. إن هذا الموضوع يجعل الكاتب في حاجة ماسة إلى مراجعة نفسه، لأن الحدث ليس مجرد مأساة إنسانية، بل هو التجسيد الحقيقي لكيف تكون الحياة مجردة من أي شعور من الإنسانية والعقلانية والمنطق. الموضوع هو حلول الذكرى الأليمة لإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما في يوم السادس من أغسطس من هذا العام. الذكرى هي الثمانون من العمر، لأن الولايات المتحدة الأمريكية ألقت القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما في يوم الاثنين الموافق السادس من أغسطس من عام 1945.وبعدها بثلاثة أيام، أسقطت الولايات المتحدة قنبلة ذرية أخرى على مدينة نجازاكي اليابانية ووافق هذا يوم الخميس، التاسع من أغسطس من عام 1945. كان حجم الدمار مخيفا. القنبلة التي ألقيت على هيروشيما كانت تعرف باسم 'الولد الصغير' وكانت قوتها التدميرية سببا في مقتل من 70 ألفا إلى 130 ألف فرد. هذا بالإضافة إلى تدمير المباني واندلاع الحرائق. وسميت القنبلة التي ألقيت على نجازاكي بـ'الرجل الثمين،' وأدت إلى مصرع من 60 ألفا إلى 80 ألفا من البشر. وكان تدمير هذه المدينة أيضا شاملا. وكان هناك عشرات الآلاف من الجرحى. علاوة على هذا، تأثر عشرات الآلاف من سكان هاتين المدينتين بأعراض شديدة الخطورة جراء انتشار الغبار والإشعاع الذري، مما أدى إلى إصابتهم بالسرطان وأمراض خبيثة.استطاعت الولايات المتحدة إجبار اليابان على الاستسلام بعد هذا، وتم هذا رسميا يوم الأربعاء الموافق 15 أغسطس من عام 1945. لكن الموضوع المثير للجدل هو أن هيروشيما ينظر لها على أنها التعبير الأكثر خطورة عن حماقة الحرب، وكيف تؤدي الحروب إلى دمار البشرية. إن القضية الرئيسية هي أن هيروشيما هي أقوى تجسيد على نزعة البشرية للفناء، وعلى عدم تعلم البشرية لدروس الماضي، وعلى كيف تنتصر قوى الشر على قوى الخير. بل والأدهى من هذا أن إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما هو أمر يمثل مشكلة أبدية للإنسانية التي ما زالت تغازل فكرة استخدام السلاح النووي في الحروب مرة أخرى. معنى هذا أن فكرة إلقاء سلاح نووي كعمل إرهابي أو كسلاح يستخدم في الحرب ما زالت وسيلة يؤمن بها الكثير من الزعماء والقادة.يجب رؤية هيروشيما ونجازاكي بصورة مختلفة. يجب اعتبارهما رسالة تحذير للبشرية جمعاء بأن بانتظارنا نحن البشر مخاطر مريعة لو لم تحل الإنسانية مشكلاتها بالحوار وبالتفاهم وبأسلوب يسعى إلى إقامة العدل والرحمة ما بين الناس. يجب ألا تلجأ البشرية إلى الحروب بل تسعى للسلام. على البشرية أن تخاف ربها وخالقها ولا تغذي نزعة الشر في نفوس الناس. يجب على البشرية أن تقيم العدل وتحارب الظلم ولا تظل أسيرة الشعارات الكاذبة عن التفوق العرقي والحضاري والمذهبي والطائفي من قبل أهل ما عن أهل آخرين. يجب أن يرى الإنسان غيره على أنه إنسان قبل فوات الأوان.تبني دول العالم الأسلحة ولا تتحمس بالطريقة نفسها لبناء المستشفيات والمدارس والطرق لجعل حياة الناس أفضل. تكدس الحكومات ترسانات الأسلحة، لكن لا تعالج مشاكل البيئة والتلوث والنمو الاقتصادي بالدرجة نفسها من الحماس. لا تفكر البشرية في القضاء على الفقر والمرض والجوع بنحو يشابه حماسها للخصومة والنزاع والشقاق والفراق. حتى الآن ما زالت عدة دول كبيرة تحسب أن امتلاك السلاح النووي هو أفضل وسيلة لتحقيق ظاهرة الردع الاستراتيجي.هناك بعد لا أخلاقي لامتلاك السلاح النووي لأنه يسعى إلى تخويف الشعوب ويهدد بحالة من الدمار الشامل حال استخدامها، لا قدر الله.توجد في التاريخ عبر مدى العصور حروب عادلة شنت من أجل رد الظلم وصد المعتدي. لكن الحرب النووية ليست عادية أو عادلة لأنها تؤذي كل البشرية، وليست فقط الدول التي يحارب بعضها بعضا. فكرة استخدام السلاح النووي كما جسدتها هيروشيما ونجازاكي تثير المخاوف على قدرة البشرية من أن تفني نفسها بنفسها. إنها تعني بأن جيلا ما من البشر فشل في حل مشاكله والتجأ إلى أساليب جنونية لهزيمة ما يعارضه. وللأسف، سوف تدفع الأجيال القادمة من البشرية الثمن الباهظ لما تسبب به جيل من البشر من شرور وحماقات لأجيال قادمة من بعده، جراء استخدام السلاح النووي.وتعيش البشرية حاليا الفترة المعروفة باسم سياسات الانتشار أو Proliferation Policyوهي فكرة غبية تلجأ لها الدول التي تسعى إلى إشعال الحروب وإشاعة عدم الاستقرار في النظام الدولي. لذا تلجأ تلك الدول إلى الحصول بكيفية الطرق على معدن اليورانيوم لتخصيبه وتحويله إلى مادة للوقود النووي. والأمر الأكثر خطورة هو عدم قدرة المنظومة الحالية والمعاصرة للعلاقات الدولية في الكثير من الأحيان بأن تفرق وتميز بين استخدام دولة ما للطاقة النووية من أجل أغراض سلمية أو تستخدمها لأغراض عسكرية. بل إن هناك دولا شغوفة بالعمل على إقامة تجارب نووية للتأكد من قوتها العسكرية ومن أنها قادرة على الدخول في حرب نووية في أي لحظة. ولم تتعظ البشرية من الحوادث النووية السابقة التي وقعت وعلى رأسها حادثة أو كارثة تشيرنوبل وهي الحادثة النووية الإشعاعية التي وقعت في المفاعل رقم 4 من محطة تشيرنوبل للطاقة النووية الواقعة في شمال أوكرانيا في يوم السبت 26 أبريل من عام 1986. كانت هناك تجربة تقام في هذه الوحدة عندما انفجر المفاعل النووي. وكان هذا شاهدا على عدم القدرة التقنية على التحكم في العملية النووية.وهناك بالطبع العديد من الحوادث التي شهدت احتمالات كبيرة لوقوع انفجارات نووية، ولم يكشف عنها، وما زالت سرية. وأدعو القارئ إلى التفكير في هذه الفرضية: ماذا لو سقطت مرة طائرة تحمل قاذفات نووية في منطقة مأهولة بالسكان أو في البحر أثناء تحليقها في الأجواء الجوية. بالطبع سوف تكون تلك الحادثة هيروشيما القرن الحادي والعشرين ونجازاكي القرن الواحد والعشرين. ومع شيوع التكنولوجيا الحديثة ومع تفاقم ظاهرة الإرهاب، تصبح احتمالات استخدام سلاح نووي عالية. ولا يوجد في النظام الدولي حاليا أية اتفاقيات أو آليات تمنع هذه العمليات المحتمل القيام بها من الحدوث. والسؤال المحير أيضا هو كيف يكون هناك اهتمام عالمي بالحفاظ على البيئة وما زالت هناك دول تجري اختبارات نووية لها آثار شديدة الضرر بالبيئة. والأمر الأكثر حيرة هو أن إدارات أمريكية عديدة طالبت دولا كثيرة باحترام حقوق الإنسان، لكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تدفع أي تعويضات لضحايا القنبلة الذرية في هيروشيما ومثيلهم في نجازاكي. إن حق الحياة هو حق أساسي. وليس هناك حق لدولة ما أن تدمر دولة أخرى بأسلحة نووية أو أسلحة الدمار الشامل.يتحسر المرء من أن يشاهد إسرائيل تلقي على غزة قنابل بحجم أكبر من القوة التدميرية للقنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناجازاكي، ولا يتحرك العالم لوقف هذه الدولة المارقة.ويتعجب الإنسان من أن هناك دولا في عالمنا اليوم ما زالت تسعى في تهورها وطيشها لتكرار فاجعة هيروشيما ونجازاكي. متى يعود الرشد إلى الحياة لتجنب مصيبة أخرى مثل بلاء هيروشيما، وضرّاء نجازاكي؟mr_alshammeri@