معاناة شركات الشحن السريع.. إلى أين؟
الثلاثاء / 25 / صفر / 1447 هـ - 07:24 - الثلاثاء 19 أغسطس 2025 07:24
لطالما استمعت إلى شكاوى الناس من شركات الشحن السريع ومعاناتهم مع مندوبي توصيل الشحنات، الذين يمارسون نوعا من أساليب الاستفزاز في توصيل حوائج الناس إلى منازلهم، مستخدمين أعذارا لا تنتهي، وتدور جميعها حول كثرة الطلبات، التي تجعل المندوب يفرض سياسة الأمر الواقع في تسليم الطلبات وفق رغبته هو وليس رغبة العميل، فهو من يجبر العميل على الانتظار وترك مشاغله ليوم آخر، لأنه لا يعلم متى سيصل بالضبط إلى منزل العميل، فهو يحدد يوما بأكمله للتوصيل، وكأن وقت الناس ملكية عامة يحق لمندوبي التوصيل التصرف بها وفق أهوائهم.ومع كثرة هذه الممارسات المستفزة، واستياء الناس منها حتى أصبحت ظاهرة، كان لي موقف غريب جعلني أقتنع أن هذه المشكلة تتعاظم يوما بعد آخر، فقد وصلتني رسالة على «الواتساب» هذا نصها: (أرسل عنوانك مع صورة البيت ورقمه وقت الوصول غير محدد بسبب كثر الطرود سوف يتم الاتصال عليك وقت وصولي في حال أردت أن اتركها باب شقتك قم بتصوير البيت وباب الشقة ودور كم وأرسل رمز التسليم وسوف أرسل لك صورة وقت ما أحطها على الباب).كان يمكن لي أن أتعاون معه من باب المساعدة، لكن هذه الرسالة أثارت حفيظتي لسبب واحد فقط، ألا وهو أن الشحنة عبارة عن مستحضر طبي، وينبغي أن يحفظ في درجات حرارة محددة وفق معايير تضمن سلامته، لكن منطق هذه الرسالة يتعارض مع ذلك خصوصا في الأجواء شديدة الحرارة هذه الأيام، ما يجعل الشك يدخل إلى ذهن أي أحد حول عدم الاهتمام بهذه الشحنة وهو ما يعكس أن الشحنة في الأساس لا يراعى فيها أي معايير سلامة، خصوصا إذا ما علمنا أن معظم مركبات مندوبي الشحنات هي مركبات خاصة وبعضها صغيرة وقديمة، ويضعون الشحنات في الصندوق الخلفي.هذا الموقف دفعني إلى التفكير مليا في كيفية اختيار الشركات للتوصيل، ولماذا تختار المتاجر شركات دون غيرها، وهل هناك معايير تبين مزايا شركات دون أخرى؟ وهل تشرف وزارة النقل على ذلك؟ أم أنها مشرع فقط؟ ولماذا تستفرد المتاجر باختيار شركات الشحن دون استشارة العميل؟ فربما كان يفضل شركة أخرى يمكن له التنسيق معها باستلام الشحنات من الفروع بدلا من التوصيل، ولماذا تفرض المتاجر استلام الشحنات من خلال التوصيل وليس الفروع، وغيرها من الأسئلة الكثيرة التي للأسف لم أجد إجابة عنها.حاولت الاتصال بالشركة من خلال الرقم المجاني، للاعتذار عن استلام الطلب، في ظل تجاهل المندوب لرسائلي، لكن للأسف استغرقت أكثر من 4 دقائق، وفي كل مرة يرد المجيب الآلي بأن الموظفين مشغولون الآن، وينصحني بالانتقال للتطبيق الرسمي للشركة أو الموقع الالكتروني، وهذا ما حدث بالفعل، لكن واجهت هناك نظام الرد الآلي على الرسائل، ولا أتمكن من التواصل مع أي أحد من موظفي هذه الشركة.كما اكتشفت من خلال حديثي لعدد من الأصدقاء، أن لهم قصصا لا تنتهي مع هذه الشركات، لكن الأكثر غرابة هو صمت وزارة النقل عن تنظيم بيئة شركات الشحن السريع، وعدم فرضها لمعايير تنظم هذه الصناعة، بحيث تلزم الشركات بتقديم خدمات للعملاء وسط جملة من الحقوق والواجبات، التي تحمي العملاء، في ظل عدم استجابة أرقام الشركات المجانية لكثير من شكاوى الناس بعدم الرد، إلى جانب عدم تفاعل أرقام وزارة النقل مع ما يردهم من شكاوى، إذ أصبح دورهم استقبال بلاغات وتسجيلها لكن دون تحقيق أثر على أرض الواقع، بينما تمضي الشركات في أعمالها وكأن شيئا لم يكن.وبالرغم من هذا السوء، فإن بيئة التوصيل نفسها تشكل معاناة أخرى بين عمالة أجنبية غير مهنية ومركبات متهالكة تفتقر لأبسط شروط النظافة ومعايير الأمان، مما يستدعي تدخلا عاجلا حين يتعلق الأمر بشحنات حساسة مثل الأدوية أو الأغذية، التي تتعرض لساعات تحت لهيب الشمس، وكأن صلاحية المنتج أو سلامة المستهلك لا تعني أحدا.إن مجال النقل السريع للشحنات في المملكة، لا يواكب أبدا حجم اقتصاد المملكة، بل إنه متأخر كثيرا، ولا يمكن لاقتصاد دولة عضو في مجموعة العشرين، تعيش تطورات غير مسبوقة في جميع مناحي الحياة أن يقبل بهذا الحال المتردي لشركات الشحن السريعة العالمية منها والمحلية، فالموضوع أصبح شبه ثقافة لحقت بهذا المجال منذ عدة أعوام وأساءت له، وشكلت معاناة دائمة للمجتمع في صورة لا تعكس أبدا المعايير الحقيقية لجودة الحياة التي تسعى لها الحكومة.فشركات الشحن السريع تعيش في عالمها الخاص، ما دامت تجد من يتعامل معها مضطرا، وما دامت الجهات المعنية تتعامل مع شكوى المواطن كحدث عابر لا يستحق التدخل الحازم.