الرأي

محدودية الصوت السعودي الشاب في التحليل السياسي

شاهر النهاري
في زمن المواجهات والتحولات، تتشكل الرؤى، وصياغة الحضور والمكانة السعودية على الخارطة العالمية، تظل الشاشات الإخبارية والسياسية السعودية، وعلى رأسها قناة العربية، تعاني من نقص وضعف الصوت السعودي في التحليل السياسي والاقتصادي والتاريخي، وبما لا تبرره قدرة تعبئة الفراغ بمتخصصين عرب، يكشفون عن الفجوات البنيوية في الطموح والتهيئة، والتكريس، والتدريب والتفعيل.من غير المنطقي أن تمر بعض الوجوه السعودية على الشاشات مرور المنسي، دون أثر أو استمرارية، مؤجلة قيام المشروع الوطني لصناعة المحلل السياسي السعودي بمواصفات عالمية، لا تكتفي فقط بالظهور اللماع، بل بالتأثير، وإبراز أدوات التعمق الفكري والفهم، والتحليل العلمي المتوازن الشامل، والخطاب الحي دون تلقين، فالتحليل السياسي ليس ترفا، بل ضرورة أساسية وطنية، وامتداد طبيعي لمواكبة وتأصيل رؤية المملكة التي تسعى للاعتماد الكامل على أهل التخصصات الوطنية، فيصبح الصوت السعودي صانعا لا متلقيا، للحدث ماضيه ومستقبله.نداء التحليل السياسي متطلب عقلاني علمي تكريسي، ولعل وزارة الإعلام أن تتبنى الفكرة، والمسارعة بالتنسيق مع أقسام الدراسات السياسية والاقتصادية والتاريخية بالجامعات، والتواصل مع وزارة الخارجية، لانتخاب بعض الكوادر السعودية المؤهلة فكريا ودبلوماسيا واقتصاديا، وممن تمرسوا في السلك الدبلوماسي من شبابنا، ومن عايشوا أهم الأحداث العالمية، وشاركوا في التجمعات الحية، والمؤتمرات والمعاهدات السياسية، وأجادوا لغات متعددة، واحتكوا بالواقع الدولي أثناء عملهم، وكما يحدث في برامج مسابقات اختيار الأصوات والمواهب الفنية، يتم تبنيهم وتدريبهم، وتمكينهم، ليكونوا النواة الحقيقية لواجهة تحليل سياسي سعودي ممنهج، لا يهاب طرح الأفكار الجديدة، ويمتلك قدرة التحليل والثقة والنظرة الواسعة، إضافة، وربطا وتوازنا، تعكس رؤية المملكة في مواجهة مختلف نظريات السياسة العالمية، ويخاطب العالم بلغة المعرفة والأخلاق وقدرة الإقناع، واحترام المحاور، ودون شخصنة، ولا انفعال عنصري وقتي يخلق الشروخ.هذا المشروع العظيم لا يبدأ من الشاشة، بل من المدارس والجامعات، ومن ورش الخطابة، ودورات التحليل السياسي، والاهتمام والاحتكاك المباشر مع الأحداث الداخلية والخارجية، والمرور بتدريبات على فهم الجغرافيا والعلاقات وتباين أفكار ومعتقدات الشعوب، ومدارس التعامل مع الأنظمة المختلفة، ومناقشة حيثيات المرئيات، والمعاهدات، والحروب، والتحديات، بعقليات شابة متفتحة مميزة لا تكتفي بالظاهر، تربط بين المحلي والعالمي، بين التاريخ والراهن والمستقبل، بين الذات الوطنية واحترام قدرات الآخر.مشروع لا يعني فقط ملء الشاشة بالوجوه السعودية الجميلة أو الموجهة، بل بنوايا تأسيس صناعة مدرسة للخطاب السياسي السعودي العلمي المنفتح المتوازن المحترف، والقادر على مواكبة صناعة الرأي العالمي، لا مجرد مرآة لردود أفعال سطحية وقتية.خطاب يوازي ويدعم ويستقي خطوات الرؤية السعودية، ويعكس طموحات الدولة والشعب، ويؤسس لمراحل إعلامية جديدة واعدة، ونقد حر، فلا يكتفي بترديد الخبر، بل صناعته بكل ما يدور حوله من تراكمات وانعكاسات وأصداء، تزيد من درجات الوعي، وتعدل الشاشات السعودية، وتؤهل من يعملون بالكواليس التي تضج بأصوات المحللين العرب والعالميين، وتفتقر للأسف إلى الصوت الوطني اللافت للنظر.مقترح أتمنى أن يبلغ من بأيديهم الحل، ينتهي بإنشاء مركز وطني لتدريب المحللين، أو برنامج زمالة إعلامية بالتعاون مع جهات دولية، وأن نبدأ بقطرة، يتبعها تميز يعانق ويجذب ويواجه ويقنع مختلف مدارك الشعوب الناطقة بالعربية.shaheralnahari@