الرأي

ما ستنهشه الكلاب من غزة وخرائط العرب

خالد العويجان
خيط رفيع بين الحياة والموت، والحياة بكرامة أو عدمها، والاستقرار والعبث، والموسيقى وأصوات البنادق، والفرح والحزن، والحب والكراهية، والسلام والوحشية، وبنيامين نتنياهو والمثخنين بالجراح؛ والجوع في قطاع غزة.وهذا المجرم مهووس بالخرائط، أقصد نتنياهو. هو غبي يعتقد أنه الأذكى. أعاد تموضعه للتغطية على فشله في إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين من قبضة الفصائل الفلسطينية، وتحول إلى رجل دين، يستمد تعليماته وأخلاقياته من كتاب التوراة، وكأنه يستحق حمله في بزته المدنية، التي تفوح منها رائحة الدم.حاول لفت الانتباه العالمي، وصرف النظر الداخلي عن إخفاقاته السياسية، بمصطلح «إسرائيل الكبرى». وتلك إشارة إلى مفهوم الأراضي الواسعة، التي يراها اليهود، استنادا على الوعود الواردة في الكتاب الذي فسر ما جاء به وفق أهوائه الإرهابية.لا أريد الإسهاب في الحديث عن الأديان. لماذا؟ لأن الرجل لا يستحق. هذا أولا. ثانيا: نتنياهو في الأساس حارب ولا يزال يختصم مع «الحريديم»، وهي طائفة يهودية متدينة، وملتزمة في قوانين الديانة اليهودية، وترفض فكرة الصهيونية التي ينتهجها الرجل نبراسا له ولحزبه، لذا حرمها من المشاركة السياسية، في حكومة حزب الليكود، لدرجة تصل إلى واحد بالمئة. السؤال؟ كيف يمكن لمثل هذا المعتوه حمل لواء الدين، وتاريخه ملطخ بالخصومة السياسية مع أبناء جلدته، إن افترضنا أنهم يسلكون المنهج اليهودي الصحيح، المستند على رفض السياسة الصهيونية.أتصور أنه يعيش مأزقا سياسيا، دفعه لخلط الأوراق، ولا سيما أنه اعتمد خطوات متخبطة تخاطب الرأي العام الداخلي الإسرائيلي، وداعميه في الولايات المتحدة الأمريكية.يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي أن افتعال الأزمات مع المحيط القريب منه «بما في ذلك الدول المطبعة أو تلك التي أبرمت اتفاقيات سلام مع إسرائيل»، قد يلغي المظاهرات اليومية التي يقوم بها أهالي الجنود الأسرى لدى حركة حماس في غزة، ويمكن أن يمنحه ذلك القوة، التي تدفعه لدخول صفحات التاريخ.يبدو أنه اعتاد على تلقي الصدمات التي يمكن لها أن تفقده قيمته المعنوية والسياسية، ورفض أفكاره من قبل دول العالم الحر، وعلى رأسها السعودية، التي واجهت رؤيته بالشجب والاستنكار.قد يقول قائل، إن الاستنكار لا يكفي. وهذا صحيح وحق مشروع. إنما يجب العودة، للجهود التي بذلتها المملكة قبل أسابيع في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، بعد رعايتها مؤتمرا حشد المجتمع الدولي لتبني رؤية واضحة تجاه القضية الفلسطينية، وتأسيس مقاربة تكسر الجمود السياسي، وصولا لأرضية مشتركة تفرض التعايش بين أبناء الدولتين - فلسطين وإسرائيل - وفقا لمبدأ حل الدولتين، الذي يعد الخيار الوحيد المتوفر على الطاولة.بل إن المملكة لم تتخل عن تمرير رأيها في عواصم القرار الدولية، القائمة على رفض والمشاريع الاستيطانية والتوسعية، التي تتبناها حكومة نتنياهو، ولم تتوقف عند هذا الحد، من خلال رفع صوتها في المحافل الدولية بالتأكيد على الحق التاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة، ذات السيادة على أراضيه، استنادا للقوانين الدولية.يمكن القول إن منهجية الاحتلال التي لا يمكن أن تتصف بصفة الدولة الطبيعية، تشبه إلى حد كبير، كيف يتبع الحيوان غريزته، دون اعتبار للأجساد الملقاة على الأرض.صحيح أن الأموات لا يشعرون بالألم، وصحيح أن هناك من لا يرضى بشرف الخصومة، اعتمادا على الوحشية، التي يفترض أن تقوم على نسف منطق العدالة الإنسانية - إن وجدت - وفي ذلك رفض لتحقيق تعليمات الخالق، التي تستوجب على الأقل، البحث عن مقابر للأموات.فالورقة التي لوح بها ذاك المجرم القابع في تل أبيب، تهدف إلى تلميع صورته بالدرجة الأولى، لكن الأهم من ذلك، أن ينقل الهدف من البحث عن من رحل، إلى من لا يزال حيا، في قطاع مدمر، يسعى بشره وحجره، للبحث عن بضع لقم من الغذاء، لتستمر حياة الشقاء والبؤس.تجاوزت تل أبيب في نظري مفهوم البقاء لإنسان غزة في موطنه ومستقره استنادا على تجويعه. وواصلت الغارات التي لا توفر أحدا طفلا أو كهلا أو سيدة عجوزا، أو شخصا معوقا يمتطي دراجة عرجاء، أكل عليها الدهر وشرب.إن ما أقدم عليه ذلك المجنون، من تدمير غزة، إلى إبداء شهوته التوسعية، يمثل أعلى سقف في انتهاك الآدمية، وضرب الأعراف الدبلوماسية بعرض الحائط.وهذا لا يهم. ما نعرفه أن تماديه سيزيل المساحيق عن وجه العالم.كما منع الجثث للذهاب إلى المقابر. وبعث رسالة مفادها «لن تجدوا مكانا لدفن قتلاكم».لا شيء يبدل الحقيقة. والحقيقة أكبر من الفظاعات التي ستبقى محفورة في القلوب. وأعمق من روايات حب الأرض، وسيقاد الكثير إلى مقصلة التاريخ، التي لا تبقي ولا تذر ولا ترحم.هناك جثث وقتلى ومشردون وجائعون ومحتاجون للقبور، ليودعهم الأحباب، القابعون في إطار بورتريه صورة الأحزان.يقابلهم في الزاوية الأخرى كلاب تصوروا أن كل شيء متاح ومباح، وأن المنطقة لقمة سائغة بلا تاريخ وقيم عميقة وبلا مدافعين. خال لهم نهش غزة.. وشيء من خرائط العرب.وخسئوا، مع الخاسئين.