نتنياهو ومشروع «إسرائيل الكبرى»
الاحد / 23 / صفر / 1447 هـ - 04:23 - الاحد 17 أغسطس 2025 04:23
عجيب أن نرى في القرن الواحد والعشرين من يعبث بالجغرافيا، ويتخذ الخرافات مطية لحاضره، ويجعل التاريخ سلاحا، والعقيدة علة لإعادة رسم أحداث القادم!
في الزمن الحالي المتسارع، ووسط الأحداث المنكرة، واختلاط ظاهر الرقي والتمدن والتنمية بالنوايا الباطنية، وكثر التماهي والاختراقات والخيانات، والقتل الجائر، حين تشابكت عقد المصالح الوقتية، وخرج على العالم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بعنجهية وغرور الغازي، وعدم اكتراث المدعوم بقوى العالم، مؤكدا على تنزيه مساره وإصراره على الهدم والقتل العنصري، وإعادة تذكير العالم برؤية سياسية لا تبحث عن سلام، وعقيدة تحتوي كل الشرور، ومخططات توسع ضاربة في المستقبل بجنون العظمة، والمستندة على ترهات التاريخ، ونصوص توراتية وأحلام روحية وجدت لها الأنصار ليس فقط بين اليهود، ولا بمحدودية تيارات مسيحية تؤمن بـ«عودة المخلص» لقيام إسرائيل الكبرى، بل بتواطؤ عرب مهادنين غافلين.
ما ردده نتنياهو بالأمس ليس رؤية جديدة، ولا فقط امتدادا لوعد بلفور أو مؤتمر بازل الصهيوني، بل استحضار لرؤية دينية قديمة، ترى أن الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات هي «أرض الميعاد»، لقيام مملكة إسرائيل الكبرى ضمن وعد إلهي، أصبح شأنا سياسيا توسعيا عنصريا.
كلماته في هذه الرؤية كانت صريحة، وتجد الدعم عند تيارات «صهيونية مسيحية» تؤمن بأن تحقيق هذا الحلم هو شرط لعودة المسيح، مما يجعل التساهل مع المشروع أكثر تعقيدا وخطورة.
تصريحات نتنياهو كشفت النوايا الدفينة، في حديثة عن خريطة ما يسمى «أرض إسرائيل الكبرى»، والتي تشمل فلسطين، الأردن، سوريا، لبنان، العراق، ومصر، وتشمل أجزاء من السعودية، ودول الخليج العربي!
وبابتسامته المغرورة مررها، وباركها، معتبرا نفسه مختارا لمهمة تاريخية إلهية، وإعلان نوايا، لمن لا يستوعب الواقع!
الردود العربية توالت بالرفض فأدانت كل من السعودية، والعراق، الأردن، وقطر، والكويت وعمان، والجامعة العربية محتوى التصريح، وطلبت مصر توضيح مقاصده!!
فهل يكفي الشجب لصد مشروع فكري جهنمي عقائدي عملي توسعي عنيد يرى أن الدول العربية أراض مستباحة!؟
وهنا يظهر السؤال، فهل ساعد الصمت العربي لما يحدث في غزة، جس نبض لاختبار قدرة العرب على الرفض والتحرك؟
غزة كانت البداية، وما حدث ويحدث فيها ليس فقط مأساة جوع وتشريد إنسانية وإبادة عنصرية جماعية، بل اختبار حقيقي لمدى قدرة تنفيذ المشروع الصهيوني، متخطيا عمليات الغضب والشجب العالمية، وبمستويات أضعف من قدرة إيقاف النزيف.
كل تساهل ولو نظري مع تهجير أهل غزة، وكل صمت أمام تدميرها، هو تمهيد للمرحلة التالية من مشروع مشين، وحين تكسر المقاومة، يفتح الباب أمام تنفيذ المرحلة اللاحقة من الرؤية الصهيونية الكبرى.
العرب أشتات ملهيون يتنافسون، وكأنهم يجهلون أنهم الضحية القادمة، بدم سيسكب على مذبح التاريخ، قربانا لفكرة رجعية مريضة لا يجب أن تمر؟
من غير المقبول أن يكون العرب، «المستهدفون تاريخيا وشعبيا وجغرافيا» آخر من يعلم وآخر من يتحرك.
والمطلوب ليس فقط ردا سياسيا، بل نهضة عربية فكرية واجتماعية وعلمية وسياسية وعسكرية، تعيد تشكيل الوعي المخترق، وتفضح المشروع الصهيوني على كل الأصعدة الدبلوماسية، وبذل الجهود الوطنية لتحصين الهوية العربية من الاختراق والإبادة، والمطالبة بمحاكمة نتنياهو على جرائمه الفعلية والقولية.