هل يوجد المتميز؟
الاحد / 23 / صفر / 1447 هـ - 04:19 - الاحد 17 أغسطس 2025 04:19
خلال تجولي في منصة «لينكدإن»، يتكرر مشهد مألوف: عشرات المنشورات تحت عنوان «نبحث عن موظف متميز»، من جهات أعرفها وأخرى أسمع بها لأول مرة، لكن وسط هذا الزخم يتبادر تساؤل مشروع: هل تبحث المؤسسات فعليا عن المتميز؟ أم أن الموظف «الذي يؤدي المهام كما هي» أكثر ملاءمة لآلية العمل السائدة؟
بل والأهم: هل الجهة الباحثة عن المتميز.. متميزة فعلا؟
للإجابة لا بد من العودة خطوة للوراء، نحو فهم «التميز» من منطلق فلسفي:
- ابن رشد: التميز اتحاد بين العقل النظري والعقل العملي، المتميز هو من يفكر بعمق ويطبق علمه لخدمة المجتمع.
- أفلاطون: المتميز يسعى وراء الحقيقة والخير، ويتحكم في شهواته، التميز هنا أخلاقي ومعرفي.
- نيتشه: التميز يعني الخروج عن المألوف وخلق القيم الذاتية، الشخص المتميز لا يتبع القطيع، بل يصنع مصيره.
انطلاقا من هذه الرؤى، يصبح «التميز» ليس مجرد أداء عالٍ، بل سلوك وهوية واستقلال فكري.
وهنا تكمن المفارقة:
هل بيئة العمل التقليدية، المليئة بالإجراءات المتكررة والبيروقراطية، تحتمل شخصا يبتكر، يعارض، ويقترح؟
هل تبحث المؤسسات عن شخص «يصنع المصير» أم عن موظف يلتزم باللوائح وينجز المطلوب؟
السؤال الأكبر: هل عبارة «نبحث عن المتميز» دعوة حقيقية للتفرد والإبداع؟
أم أنها مجرد «كليشيه» وظيفية تستثير عقول الطموحين دون ضمان بيئة تحتضن تميزهم؟
رغم تعدد تعريفات الفلاسفة للتميز، تظهر دراسات التوظيف الحديثة أن المؤسسات لا تبحث فقط عن الموظف المتميز بمعناه التقليدي، بل تركز على مزيج من المهارات والقيم العملية، فحسب تقارير حديثة، يولي أكثر من 70% من أرباب العمل أهمية للمرونة والقدرة على التكيف مع بيئة العمل المتغيرة بسرعة، بينما يشدد 85% منهم على المهارات الناعمة مثل التواصل والعمل الجماعي كعوامل حاسمة في اختيار الموظفين.
إضافة لذلك، يعتبر الالتزام والأخلاق المهنية من الأولويات لدى أكثر من 90% من الشركات، مع تزايد الطلب على الابتكار وحل المشكلات لدى حوالي 65% من أصحاب العمل، كما بات الانتماء الثقافي والتوافق مع قيم المؤسسة معيارا مهما لدى 60% من المؤسسات.
هذه البيانات تعكس أن التميز في سوق العمل اليوم لم يعد مجرد لقب، بل هو مزيج متكامل من مهارات وكفاءات تتجاوز الكفاءة الفنية لتشمل الشخصية والسلوك المهني.