العالم يتطور بشكل أذكى وأسرع.. أين دور الجامعات؟
الأربعاء / 25 / جمادى الأولى / 1446 هـ - 02:22 - الأربعاء 27 نوفمبر 2024 02:22
أعتقد أن الجامعات تحتاج إلى سنوات ضوئية حتى تدرك ما جرى في مؤتمر 'مبادرة مستقبل الاستثمار' العالمي الذي عقد في الرياض تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) مؤخرا، وكانت موضوعات 'الذكاء الاصطناعي والروبوتات البشرية' من المواضيع الأكثر رواجا خلال المناقشات، وأن المملكة ستسعى إلى أن تصبح واحدة من أفضل 15 دولة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي، وأن الذكاء الاصطناعي قادر على إضافة ما يقرب من 20 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030م، وأن السعودية قادرة على أن تصبح مركزا عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي.يأتي هذا المؤتمر بتفاؤل كبير على ما حققته المملكة اقتصاديا من قفزات نوعية أصبحت حديث ومحط أنظار العالم، بدءا من «صندوق الاستثمارات العامة» السعودي الذي يدير أصولا تتجاوز 900 مليار دولار، وعن الهيدروجين الأخضر، والطاقة المتجددة، والقطاعات غير النفطية التي أصبحت تشكل 52% من اقتصادينا المتنوع والمنافس والذي لم يعد يعتمد على سلعة واحدة، هذا بلا شك انعكس بشكل إيجابي على نسب البطالة لدينا، حيث انخفضت حتى معدلات 7.1%، وهناك نسب طموحة أكثر بحلول 2030م.إيلون ماسك أضاف توقعا أن الروبوتات البشرية ستفوق عدد الناس بحلول 2040، وقال 'كل بلد سيكون لديه ذكاء اصطناعي أو عدة أنواع من الذكاءات الاصطناعية، وسيكون هناك العديد من الروبوتات، أكثر من البشر'. كما لا نغفل مؤشرا اقتصاديا مهما، وهو دخول شركات عملاقة إلى السوق السعودي مثل شركة ' بلاك روك'، وبدأت في فتح فرع إقليمي لها، وغيرها من الشركات العالمية التي فاقت العدد المستهدف، وهذه تتطلب كوادر بمهارات عالية وقدرات نوعية للحصول على فرص وظيفية فيها، بل ونطمح أن يكون شبابنا الطموح قيادات في هذه الشركات الكبيرة.إيلون ماسك في حديث سابق عن الجامعات قال: الجامعات موجودة للتسلية وبناء العلاقات فقط، وقضاء وقت ممتع وليست للتعليم، ولا ينبغي للوظائف في شركاته أن تتطلب درجة علمية كشرط للحصول على وظيفة، بل ما يتمتع به الفرد من قدرات ومهارات، وقدرة كبيرة على التعلم السريع والتفكير الناقد والابتكاري (وهو رأي يؤخذ هنا في إطار أنه وأحد من أشهر أرباب العمل).من الواضح أن الفجوة بدأت تتسع مع بعض التخصصات النظرية في الجامعات التي ما زالت تقود دفة تخصصات القبول الموحد وغيرها من الجامعات، حتى العلمية منها تحوي على أطر نظرية وجانب معرفي كبير جدا، وما زالت تعيش في الماضي، وأصبحت هذه البرامج تحتوي على عدد كبير من الوحدات الدراسية التي تفوق (165 - 200) وحدة وربما أكثر على شكل خليط مشوه من المعارف والمقررات التي ليس لها علاقة مباشرة بالتخصص، وانتقلت هذه العدوى حتى على التخصصات الحديثة في كليات الحاسب الآلي وتخصصات الذكاء الاصطناعي والبرمجة وتخصصات العلوم الإدارية والمالية.. وغيرها، وهذا يناقض في الحقيقة واقع سوق العمل ومتطلباته، بل واقع المجتمع والفرد ومتطلباته، الذي أصبح يعيش في هذا الفضاء المفتوح على كل المعرفة ويتعامل مع كل تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبالتالي كثرة الوحدات ليس دليلا على قوة التخصص بل النوعية والتركيز والارتباط المباشر بالتخصص والجودة، وترك مساحة لتعلم تخصص آخر في الوقت نفسه.وذلك بسبب ضغوط المجتمع على هذه البرامج الجامعية التي كانت في الأساس انعكاسا لوظائف الخدمة المدنية في السابق، وكانت محدودة يغلب عليها الوظائف التعليمية أو الإدارية، لكن الوضع تغير الآن وأصبح منفتحا على السوق العالمي بهذا الكم الهائل من التنوع والاختلاف الوظيفي والمهني، وبالتالي فكرة محاولة الجامعات أن تجري عدة تعديلات وعمليات قيصرية وإضافات لعدد كبير من المقررات المهارية أو المهنية أو تربوية أو تخصصات أخرى بزعمها أنها توائم هذه التخصصات الحالية ومخرجاتها مع سوق العمل، فكرة غير مجدية، فزاد وزنها وغرقت في البحر، وضاع التخصص (الهدف الوحيد من هذه الدراسة الجامعية) في زحام هذه الوحدات الدراسية، حتى أصبحت خليطا مشوها من الأطر المعرفية والتراثية والنظرية، وتضخمت هذه البرامج حتى فقدت الهدف الرئيسي منها، وزادت صعوبة إعادة هيكلتها ومعرفة ملامحها وأين نقاط الخروج منها للحصول على شهادة جامعية متوسطة أو دبلوم مثلا إذا أنجز الطالب عددا معينا من الوحدات الدراسية، أو أين نقاط الدخول كتجسير ممن هم حاصلون على شهادات دبلوم في التخصص نفسه، ويريدون أن يكملوا درجة البكالوريوس.. الوضع صعب جدا!لم تصبح الجامعة هي الخيار الأول لدى الكثيرين من الطلاب، وخاصة أصحاب التخصصات النظرية، وإن كانت من أحد الطرق للحصول على وظيفة ذات دخل جيد حتى الآن، ولكنها ليست الطريق الأوحد، والدليل بعضهم حصل على وظيفة وهو لم يكمل دراسته الجامعية بما لديه من مهارات وقدرات، ثم اصطدم بالإجراءات الأكاديمية المتشددة غير المرنة، التي توصله في نهاية المطاف إلى إجباره على مغادرة الجامعة! واعتقد أن هذه الإجراءات الأكاديمية منسوخة من أحد الدول العربية وفي الأصل تعود إلى المدارس الكاتدرائية المسيحية أو مدارس الرهبانية التي تعود إلى القرن السادس، وقد عملت هذه الجامعات كمدارس لمئات من السنين قبل أن تتحول إلى جامعات في العصور الوسطى.. هل نحن الآن نعيش في عصر التقنية والفضاء المعرفي المفتوح؟ إذًا لماذا كل هذا التشدد في لائحة الدراسة الجامعية وقواعدها التنفيذية؟ ولماذا تطبق على كل البرامج الجامعية على حد سواء؟ وهل من المناسب أن يكون هناك مسارات أخرى لبرامج البكالوريوس أكثر مرونة واستيعابا أكبر لظروف الطلاب المختلفة؟موضوع الجامعات من أعقد وأصعب المواضيع التي ممكن أن يكتب الكاتب عنها، ومن الصعوبة بمكان أن يتم الحديث عنها في مقال واحد، الجامعة كم هائل من العمليات التعليمية والبحثية والإدارية كبير جدا، بعدد هائل من الأنظمة واللوائح التي خلقت بيروقراطية عالية وقاسية وولدت فجوة كبيرة بين إدارات الجامعة والأقسام العلمية، إدارة الجامعة هم نفسهم أعضاء التدريس لكنهم يعيشون في بريق مناصب إدارية بشكل مؤقت وبميزات هذه المناصب، وهم يتناوبون عليها كفرص عمل إدارية في ظل ضعف الخبرة الإدارية لديهم، وأعتقد من أصعب الأشخاص الذي يمكن أن تتناقش معه هو عضو التدريس، 'تقوله يمين يقولك جامعة هارفرد ما زالت تحتفظ بتخصصات قديمة'، 'تقوله يسار يقولك جامعة أكسفورد ما زالت تحافظ على بعض الطرق التقليدية في التعليم'، ومن هنا إحداث هذا التغير الفارق يكون صعبا من خلال هذا الزميل الذي يشغل المنصب حاليا بإصدار التوجيهات والأوامر فقط على هذه الأقسام العلمية ومجالسها، والتي لها اليد الطولى في أي إجراء أو أي تغير أكاديمي أو إحداث أي تطوير علمي على أحد هذه التخصصات التي تتبع هذه الأقسام، وأصحبت بعض إدارات الجامعات حاليا هي إدارة طوارئ فقط، لضمان سير العمل وإنجاز المعاملات التي على الطاولة، لكن لا يُرجى منها إحداث فارق حقيقي.للأسف اتجهت بعض إدارات الجامعات إلى الإنجاز الوهمي، عقد لقاءات أو معارض بعناوين براقة، تكريم شخصيات، مؤتمرات بدعوات لقامات علمية محلية أو إقليمية من هنا وهناك، توقيع مذكرات تعاون أو اتفاقيات أو تفاهم، لا يعرف مدى الجدوى منها لضعف شفافية الإعلام في كل الجامعات، وقد ينتهي التعاون بعد التوقيع مباشرة ولا يصلون إلى اتفاق بسبب المعوقات المالية أو الإدارية لاحقا، وتقتل هذه المذكرات في مهدها، والجامعات حقيقة أغرقت نفسها بكثرة الاتفاقيات التي لا يعرف ما النفع الذي سيعود على الطلاب منها، تصوير اجتماعات وكأنها نوع من الإنجاز لمناقشة أعمال هي من صميم عملهم لكنها أعمال متأخرة ولم تنجز حتى الآن.كثير ما أقول إن التغير لن يأتي من داخل هذه الجامعات في وضعها الحالي، لا أعلم.. لكن أعتقد أننا بحاجة إلى إدارات تغير حقيقية وليس إلى إدارات طوارئ لهذه الجامعات، إذا كانت الجامعات في أساسها سابقا هي لتلبية متطلبات الثورة الصناعية الثانية أو الثالثة في القرون الماضية، فبالتالي التغير والتطوير والمواكبة سمة طبيعية، لماذا كل هذه المقاومة والرفض! دراسة التخصصات التي يحتاجها سوق العمل المحلي والعالمي وميادينه ومجالاته المختلفة الحالية والمستقبلية أصبحت ضرورة، وبالتالي خلق تخصصات جديدة، أو دمج عدة تخصصات، أو يتخرج الطالب بأكثر من تخصص، تقليص الكثير من التخصصات الحالية النظرية بالتوازي مع خلق تخصصات جديدة لكي لا ينقص عدد القبول في الجامعات، ولا تتاح أصلا التخصصات النظرية للقبول الموحد لدرجة البكالوريوس، وقد يستمر بعضها لحفظ العلم وللأبحاث والدراسات العليا فقط، ولكن ليس لتخريج طلاب لسوق العمل، نحتاج الكثير والكثير لكن انتهى وقتنا في هذا المقال.. شكرا لكم.3OMRAL3MRI@