الرأي

التوازن المفقود بين التشغيل والرقابة

فهد عبدالله
من خلال الكثير من التجارب والتغذيات الراجعة وسلسلة طويلة من التطبيقات في الأنظمة الإدارية (Management System) كأنظمة الجودة والسلامة واستمرارية الأعمال والتدقيق الداخلي وإدارة المخاطر.. إلخ، تجد ملامح عريضة في التطبيقات العملية قد تفسر تقلبات التعامل معها ووضوحها لدى العاملين في الميدان.الملمح الأول هو أن متطلبات هذه الأنظمة يتم التعامل معها وكأنها أعمال إضافية إلى الأعمال الرئيسية لدى العامل.والملمح الثاني هو اختلاف الأولويات الدائم في الدوافع المتعلقة بكيفية إنجاز الأعمال لدى الجهات الرقابية والتشغيلية.أعتقد أن هذين الملمحين يستحقان وصف 'العريضة' لأنه، وباختلاف الأنظمة الإدارية والتطبيقات، تجدها موجودة إذا وجد العنصر البشري، وقد تقل هذه المساحة في الأعمال المؤتمتة بشكل كلي.قد تكون هناك ملامح أخرى لتحديات التطبيقات، ولكن هذا ما وجدته يتكرر ويُلاحظ بالعين المجردة.الملمح الأول: عندما يكون هناك قائمة طويلة بالأعمال المسؤول عنها الموظف بشكل مباشر في جانب تشغيلي مثلا، وتأتي جهة رقابية لتسرد عليه متطلبات جديدة - كما يعتقد هو - بالتأكيد سيكون السلوك موجها نحو التفكير 'دعني أعمل ما تنص عليه مسؤوليتي المباشرة، وإذا كان هناك شيء من فضول الوقت سأنظر فيما لدي من الأعمال (الإضافية) من وجهة نظره'.وعندما تنظر للموضوع من منظور علوي، ستخرج بأربع ملاحظات:هناك مؤشر منخفض واضح فيما يتعلق بتكامل هذه الأنظمة في الأعمال التشغيلية (Integration)، أو ما يسمى أحيانا بتضمين المتطلبات ضمن خطوات أداء الأعمال (Embracing).هذه النتيجة هي بالتأكيد محصلة للملاحظة الأولى؛ وهي ضمور الوعي العملي تجاه أهمية أداء الأعمال مثلا بشكل آمن وذي جودة عالية.الموظف في الجانب التشغيلي (ولا يُلام في كثير من الأحيان) يشعر بأن متطلبات الجهات الرقابية ومتابعتها وتضمينها في العمل اليومي تأخذ وقتا وجهدا أكثر من العمل نفسه، فيأخذ القرار الداخلي بألا يلقي بالا لها، أو في أحسن الأحوال يتعامل معها بشكل سطحي فقط للتوافق الصوري.وهذه بالتأكيد محصلة للملاحظات السابقة: أن الأعمال أكثر من الأوقات المتاحة، حسب وجهة النظر الميدانية.الملمح الثاني: وهو اختلاف الأولويات والنظر الأحادي. في الجهات التشغيلية مثلا، يكون الاهتمام مسلطا على الإنتاج، وفي كثير من الأحيان على الإنتاج فقط، بينما في الجهات الرقابية يكون الاهتمام منصبا على الامتثال أو عدم الامتثال لهذه المحددات الرقابية.فيحصل الاختلاف في الأولويات، ويُعزز ذلك في حال عدم وجود كلمة سواء تجمع بين الجانبين حول مواضيع التكامل والأولويات وترتيب أبجديات العمل الاستراتيجي على الواقع العملي.من أمثلتها أن تكون هناك توقعات تشغيلية عالية جدا لإنجاز أمر ما في سنتين مثلا، ويُفترض أن يكون مستوفيا لكل أشكال الأنظمة الإدارية، ولكن يتم الضغط لإنجاز هذا الأمر في سنة واحدة.هذا بالتأكيد سيؤثر على شكل التكامل والأولويات المطلوبة.في رأيي، هذه المعضلة لا يمكن حلها بكلمات بسيطة في مقال، ولكن أعتقد أن مجرد تسليط الضوء عليها ووضعها بشكل دائم على الطاولة الاستراتيجية سيحقق الكثير من الحلول الإيجابية تجاه أداء الأعمال المستوفاة لجميع الاشتراطات والمتطلبات.سأحاول هنا وضع بعض ملامح الحلول التي تساهم في تفكيك هذه المعضلة المركبة:التكامل، التكامل، التكامل. مجرد وجود أعمال مكررة تُطلب من أكثر من جهة رقابية بالتأكيد سيوسع مساحة هذه المعضلة. على سبيل المثال، في إدارة الجودة والسلامة هناك الكثير من العمليات والمتطلبات المتشابهة وكذلك الحال في استمرارية العمل وإدارة المخاطر وكذلك إدارة الاستجابة للحالات الطارئة التشغيلية وإدارة الأزمات أيضا.لذلك تجد مفهوم النظام الإداري المتكامل (Integrated Management System) يحظى باهتمام لدى بعض الشركات ذات التاريخ الطويل في تطبيق الأنظمة الرقابية، كشركة تويوتا وسيمنس.حتى في الجانب الاستشاري هناك شركات تقدم حلولا للأنظمة الإدارية الموحدة.في مراجع الأيزو مثلا، رغم تعدد وثائقها، ستجد أن الفصول الأولى لها تتخذ القالب الموضوعي نفسه، ويتم إرجاع التكرارات إلى مراجعها التخصصية لتجاوز التكرار في العمليات والإجراءات.من الأمثلة أيضا: إدارة المخاطر الموحدة، حيث يكون هناك نهج موحد في تحديد وتقييم المخاطر في جميع المجالات من مختلف الوحدات التنظيمية، بحيث تصب جميعها في سجل المخاطر الكلي للمنظمة (Risk Register).عدم تطبيق الأنظمة الرقابية دفعة واحدة، وإنما وضع خطة عمل مرحلية متوافقة أولا مع الاستراتيجيات العامة للمنظمة وكذلك التنبؤات المستقبلية للمخاطر.من جانب آخر يجب أن تكون الخطة متوافقة بشكل بانورامي مع بقية الأنظمة الرقابية الأخرى، حتى لا تحدث فجوة بين الواقع التشغيلي والمتطلبات الرقابية الكثيرة.البساطة والعمق والشمولية فيما يتعلق بالإجراءات والسياسات والأنظمة. ليس من البساطة أن تكون هناك عشرات السياسات لجانب تشغيلي واحد، وليس من العمق أن يكون الإجراء الرقابي لا يحتوي على مدخلات ومراجعات من الجانب التشغيلي، وليس من الشمولية أن تكون العمليات مبعثرة في مراجع متعددة.كلما كانت الوثائق قليلة ومبسطة وشاملة وذات عمق يستوعب جميع المدخلات، أعتقد أنها ستكون كفيلة بدفع المنظمة نحو النضج المنشود.وجود أنظمة تقنية متكاملة: بأن يكون هناك أنظمة تجمع شتات المتفرقات من الأعمال بالتأكيد سيقلل من تكرار العمليات ويوحد الجهود وتكون الأعمال متجهة بشكل تناسقي يقلل من الفجوة الرقابية والتشغيلية.هكذا أعتقد.fahdabdullahz@