الرأي

اختبار استحقاق بدل التميز الأكاديمي!

بندر الزهراني
كنت في نقاش مع أحد الزملاء - من الذين أمون عليهم في الكلام - حول ما يصرف من بدل للتميز، واستحقاق الأكاديمي له، وآليات ومسوغات صرفه، وكان مما قاله إن بدل التميز يصرف نظير النشر العلمي المطرد، فكلما قدمت أبحاثا كلما جمعت نسبا متراكمة تصل إلى 100% من المرتب الأساسي، بغض النظر عما إذا كنت أنت الباحث الرئيس أو كنت مساهما مؤثرا أو مشاركا عاديا أو حتى يكيفك مجرد وضع اسمك واسم جامعتك على البحث المنشور لتستحق هذا البدل.وبغض النظر عن مدى صحة ما ذكره هذا الزميل، فقد تصفحت المواقع الالكترونية لبعض من الجامعات، فوجدت أنها تمنح بدل التميز العلمي للأستاذ الجامعي نظير نشره أبحاثا علمية متميزة أو تحقيقه لجوائز محلية أو عالمية أو اكتشافه لأدوية جديدة أو إجرائه لعلميات طبية نادرة، ونحو ذلك، وهذا أمر إيجابي بلا شك، ولكن بالرغم من تعدد مجالات منح البدل المعلنة، إلا أنه لا يزال بإمكان الأستاذ الجامعي التركيز على مجال واحد وحصر استحقاق البدل عليه، إذ لا سقف لكل مجال، وهذا ربما هو ما جعل الكثير من الباحثين يركز على النشر البحثي المطرد أيا كانت طرقه وأدواته.والناظر لحال بدل التميز يجد أن الدولة - رعاها الله - قد أقرت هذا البدل ليناله الأكاديمي المتميز في مجال عمله، كمكافأة تحفيزية له، واعتراف ضمني بتميزه، ولفتة تقديرية للباحث الوطني، وتشجيع له، ولم تقصر استحقاقه على عدد الأبحاث المنشورة، ولا على جودتها أو أوعية النشر المنشورة فيها، إلا أن البعض ربما فهم أن التميز يمكن قصره على النشر العلمي، وعلى هذا الأساس قد يمنح بدل التميز لمن يقدم أبحاثا كثيرة، بغض النظر عما إذا كان مقدمها متميزا فعلا أم أنه مجرد منسق مجموعات بحثية ومسوق لنفسه بشكل جيد، وهذا الفهم المقصور على معيار واحد لا يخدم - من وجهة نظري - الغرض الأسمى من إقرار بدل التميز.ومن المعلوم أنه عند التطبيق قد تنحرف بعض البرامج والأنشطة الأكاديمية عن مسارها الصحيح وعما وضعت له أساسا، وهذه طبيعة بشرية، يعززها الجهل بالشيء أو سوء الفهم أو ضعف الرقابة أو بها جميعا، فالإنسان بعد مدة من وصوله إلى الأرض انحرف عن عبادة ربه، ولذلك أرسل الله (عز وجل) رسله للناس ليعيدهم إلى الطريق القويم والصراط المستقيم، ونحن في كل برامجنا وأنشطتنا الأكاديمية مطالبون بالمراجعة والمتابعة والمحاسبة، وإلا انحرفت هذه البرامج عما جعلت له أو رسمت لتحقيقه.دعونا نتساءل ونقول: ماذا لو ربط استحقاق بدل التميز بحصول الأستاذ الجامعي على (شهادة تميز) يمنحها له - على سبيل المثال - مركز قياس بعد اجتياز المتقدم لاختبار دوري تعده هيئة عليا في المركز، تشكل لهذا الغرض، ويكون هذا الاختبار على شقين: الشق الأول يختص بالتميز في مهارات التدريس عموما وأسس الانضباط في العمل الأكاديمي، والشق الثاني يختص بالتميز في التخصص من نواح علمية بحتة وبحثية دقيقة، وفيما يقدمه الباحث من أبحاث علمية واكتشافات جوهرية جديدة، مع الاهتمام والنظر في طبيعة الاختبار ومستواه الفني وغرضه المعد له.قد يقول البعض: يا دكتور بندر أنت تريد أن تختبر العلماء والفلاسفة ورؤساء الجامعات ونوابهم والمستشارين! تختبر من ينظر في المحاضرات ويؤلف الكتب ويحضر الندوات والمؤتمرات؟! وهب أن ذلك قد تم، فمن يختبر أستاذا جامعيا؟ وأقول: تساؤلاتكم مشروعة، لكن الاستنكار الضمني في طرحها ليس مسوغا، لأن الأستاذ الجامعي ليس نبيا يتنزل عليه الوحي أو معصوما لا يعتريه النقص، سواء أكان فيلسوفا وعالما أو كان مجرد معلم جامعي عادي، فقد قيل في اختبارات الرخصة المهنية قبل أن تبدأ: هل يختبر مربو النشء ومعلمو الأجيال! فلما خضعوا للاختبار لم ينجح كثير منهم إلا من رحم الله وكان جديرا بالنجاح!وحتى تكون الصورة واضحة، ولئلا يفهم كلامي على غير ما أردت له، دعوني أقول إن هذا الاختبار - إذا ما تبناه المسؤولون وأقروه - فلن يكون إجباريا، وعدم اجتيازه لا يؤثر على عمل الأستاذ الجامعي، ولا يقدح في معارفه وثقافته العامة أو الخاصة، ولا ينتقص من مكانته العلمية والاجتماعية، ولكننا بهذا الاختبار نستطيع أن نحوكم مسألة صرف بدل التميز، ونقيس أثرها، فمن كان واثقا في قدراته ويرى نفسه متميزا وفيلسوفا وعالما ويستحق بدل التميز فليختبر ذلك، فإن اجتاز الاختبار أكرم بالبدل، ونال الثناء والتقدير، وإلا قيل له عد إلى مكانك معلما جامعيا بلا تميز أو استنزاف مالي في غير موضعه!وقبل أن نفترق وأودع زميلي هذا سألته بروح رياضية وبشاشة صدر كعادتي: وهل يصرف لك بدل التميز؟ فتحرج من الجواب وطأطأ رأسه وسكت، فقلت في نفسي: لعمري لو كان تميزا ما تحرج منه! وخشيت أن يكون سكوته مخافة العين، فقلت له 'وامتازوا اليوم' فأكمل هو الآية، فضحكت وقلت: الحمد لله أنت من أكملها لا أنا، ثم سألني - في هجمة متردة - وماذا عنك أنت؟ فقلت 'أولئك لهم رزق معلوم' جعلني الله وإياكم منهم، والحمد لله رب العالمين.drbmaz@