الرأي

عودة رقيب الكلية العسكرية الشديد

شاهر النهاري
لعل الخيال الأدبي يجيز لنا مرات نسج خيوط السياسة بإبر جربناها، وملاحظات ومقارنات ساخرة نغزلها بواقعية وتخيل، فلي مع الكلية العسكرية ذكريات طالب جامعي توجه إليها للجمع بين الطب والسلك العسكري.

الكليات العسكرية حياة مصغرة لما يحدث على سطح المكورة الأرضية من علاقات وأنظمة وبسط سيطرة، وعصيان وتجن وانفلات من العقاب، وظلم، وموازنات تبادلية، وطاعة عمياء.

وكل ذلك يتمحور حول شخص رقيب أول الكلية، مميزاته وانضباطه ومعرفته الواثقة بالقوانين، وهيبته المنذرة بتوقيع العقاب والتوقيف، أو الحرمان من أمور حياتية مثل قيلولة عابرة، وقدراته على فرض إرادته العنيفة، حسب نوع الأخطاء المقترفة، وتكرارها، وبما سبق وأن تعهد به الطالب المشاغب، ولم يلتزم، زيادة على إهمال المواظبة والقيافة واستذكار الدروس والتدريبات الميدانية واليقظة التامة.

بعض الرقباء يتمتعون بإنسانية السماح والتغاضي، وبعضهم شديد حد الترهيب، والبعض عشوائي يجرب ويخطئ، ثم يضطر لترقيع الأوضاع، والعفو العام، حتى لا يظهر عوار فشله في القيادة.

صراع للقوى تمكن الرقيب الحسيب المهاب المتمسك بالقوانين من ترتيب المواقف والأدوار، وضبط إيقاع من يدرسون وينتظمون بالطوابير، وسرعة ضبط من يقتنصون دقائق انفلات للتدخين، أو التفكير بالهرب من الساحة لمهاجع النوم، أو من يظن أنهم فوق القانون ويجربون توقيع العقوبة على المستجدين.

وسياسيا، فإن عودة الرئيس الأمريكي ترامب إلى رئاسة الدولة العظمى، يذكرني باستلام أشد رقباء الكلية، الذي لم يكن يسمح للطلبة بلفتة أو همسة، أو عدم قيافة، أو وقفة مستهترة، ولا الخروج عن أنفاس الطاعة، وإخلال بحمل السلاح، وعدم ضبط الصفوف، ما يجعل الطلبة بعد كل نشاط، يخمنون من سيكون المنحوس، الذي سيقع على رأسه العقاب.

ترامب عاد رقيبا شديدا ليعيد هيبته على كلية أمريكا والعالم، بنوايا معاقبة العاصين والمتهاونين ومتجاوزي الحدود، وأنه سيكافئ من يتفانون ويخلصون في تنفيذ مخططاته.

الخير يخص، والشر يعم، ورقباء دول العالم أجمع، إما هنؤوه بفوزه، أو رطبوا المواقف معه، وأعلنوا جاهزيتهم للتعاون، وأعلنوا نوايا كتابة صفحات دبلوماسية جديدة معه، خابرين جموح شدته، وقدرته على ضبط الإيقاع العام.

والعالم لا يخلو من 'المبزوطين' ممن يتمنون لو أن ترامب مات قبل تولي السلطة، ومن يخططون لمحاربته، ويتواعدون على صنع العوائق أمام فترته، والعمل بالخفاء لإفشال خططه، ونشر الفوضى بالكلية، وإغراء المغرر بهم والضعفاء في مشاركتهم بأعمال التمرد، والتي لا تقع نتائجها إلا على رأس الغرير، المنخدع بكلماتهم، حين يجد نفسه خصما مباشرا مع بطش الرقيب الشديد.

عودة ترامب وحتى قبل تسلمه المسؤولية أمر عصيب، ونواياه ترسم شكل أمريكا الداخلي، والذي عاثت بها فوضى وتهاون الرقيب السلف طوال فترة غيابه.

لقد عاد لترهيب ولجم كل قوى العالم المتمردة، والصانعة للفساد، والناشرة للفوضى، والمحتالة بأذرعها، والنافخين في أبواق الزيف، ومعاندي السلام، بأعذار هشة ملتوية، التي آن لها أن تختشي، وتعود لجحورها بأعين تبرق في الظلمة.

هذه ليست مقالة فكاهية ساخرة عابرة، ولكنها واقع سياسات عميقة يحياها عالمنا اليوم، ويفهم خباياها وتبعاتها كل متابع لعلاقات الدول المختلفة سياسيا، ضمن مفارقات أنظمة رقيب كلية أمريكا القادم، وأفعاله العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والتنموية المتبدلة بعودة الرقيب الوحش المفتقد.