البودكاست.. حكواتي الزمن الآتي؟!
الاحد / 15 / جمادى الأولى / 1446 هـ - 21:31 - الاحد 17 نوفمبر 2024 21:31
على الرغم من كونه أحد أبرز الأشكال أو الرسائل والوسائل الإعلامية الحديثة عبر الوسائط المتطورة في عوالم الرقميات منذ بدايات الألفية الثالثة، إلا أن البودكاست Podcast يستمد جذوره من ذلك البوح الإذاعي من الراديو مضافا إليه الفوح الإذاعي المصور من التلفزيون معا.. فعندما أعلن عالم الاتصال مارشال ماكلوهان صيحته الشهيرة 'الوسيلة هي الرسالة' في عام 1962م، متحدثا عن تأثير التطور التقني على الوسيلة الإعلامية في تشكيل ثقافة المتلقي بشكل مدمج أو متداخل مع الرسالة، مؤسسا بذلك مدرسة فكرية جديدة في علم الاتصال تزايد تأثيرها مع التطور الرقمي لوسائل الإعلام على مضمون الرسالة في عصرنا الحاضر والقادم، وبذلك أصبح وأضحى وأمسى البودكاست أحد أبرز الأشكال والرسائل والوسائل في وقت واحد حاليا، كذلك يأتي في الزمن الآتي أيضا.
وكان الأستاذ محمد محمود شعبان الشهير باسم 'بابا شارو' - يرحمه الله - أحد أبرز رواد الفن الإذاعي في العالم العربي وليس في مصر فقط.. بعد أن انطلق منها إلى تدريس مواد الفن الإذاعي في العالم العربي أجمع، ومنها السعودية طبعا.. ولعله من حظ الدارسين في قسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة أن تولى بابا شارو تدريس مادة الفن الإذاعي في عام 1977م ومن ضمنهم كاتب المقال، وكان دائم الترديد في محاضراته الرائعة المتميزة 'لا جديد تحت الشمس' انطلاقا من أن ما تنتجه مخلوقات الله من مخترعات ما هي إلا أصداء لصنعة الخالق عز وجل وحده، وبالتالي فإن معظم الاختراعات الإنسانية من وسائل اتصالية تقليدية كانت مثل المطبعة والراديو والسينما والتلفزيون، وغيرها من غير التقليدية الرقمية الحديثة، إلا أدلة دامغة على ذلك المفهوم الإيماني الرفيع.
لا يزال الراديو كوسيلة اتصالية وربما دون غيره من الوسائل التقليدية الأكثر حظا في القدرة على الاحتفاظ بالمتابعين من مستمعين ومستمتعين معا عن بقية الوسائل الأخرى مثل التلفزيون التقليدي على وجه التحديد، وربما قد تنافسه في ذلك بقوة أيضا السينما في المحافظة على جماهيرها الغفيرة حتى يومنا هذا عبر الوسائل والوسائط المختلفة.
وكل من الراديو والسينما لا يزال يحرص على الاحتفاظ بنسب في حدود لا تقل عن 10% من حجم متابعة الوسائل الأخرى سواء التقليدي أو غير التقليدي الرقمي منها أو المتداخل فيما بينهما، ولعله من البديهي أن نذكر أن 50% من مستمعي الإذاعة بالراديو فقط أو الوسائط السمعية الأخرى يتابعون المحتوى المذاع أو البث المباشر أو الآجل من خارج منازلهم، وذلك خلال تواجدهم في وسائل المواصلات المختلفة من سيارات أو أتوبيسات وقطارات أو طائرات وخلافه.. مما أدى بالطبع إلى زيادة الاحتياج والاجتياح للبرامج الحوارية المليئة بالبوح من قبل ضيوفها المتحدثين إلى المستمعين عبر خاصية الإذاعة بالراديو الآثرة والمؤثرة.
الأحاديث الصوتية أو حتى البصرية عادة ما تجذب المستمع والمشاهد على حد سواء وفقا لنجومية وتألق وتخصص المتحدث، بالإضافة إلى لباقة المحاور في طرح الأسئلة المطلوبة والمتوقعة من أجل تعظيم المحتوى المقدم لكل متلقٍ دون استعراض عضلات المحاور حتى لا يستأثر بالحديث أو حتى يقحم آراءه الخاصة إلا للضرورة أو لإدارة دفة الحوار والحديث في اتجاهات محددة وببراعة تجعل الحديث المذاع يخص المتلقي ويعنيه بحميمة مفرطة وتسرب سردي ممتع.
في دراسة أجريت على عينة من 45 ألف مبحوث حول العالم في 2022م من قبل مركز استاتستا Statista، تم التأكد من استمرارية تميز الراديو كوسيلة تقليدية بما لا يقل عن 10 - 11 ساعة أسبوعية بمعدلات عالية قد تكون أقلها بين فئة الشباب من 16 - 24 عاما في حدود 59%، وترتفع تدريجيا إلى فوق 71% حتى حدود 78% في الفئات العمرية الأكبر إلى ما فوق 64 عاما، وبكل تأكيد ساعدت التقنيات الحديثة والشغف للمتابعة خلال القيام بأي أعمال أخرى، وهي خاصية تتميز بها الإذاعة بالراديو دون غيرها من الوسائل.
تتعدد المحتويات المذاعة من الأخبار والمواد الجادة إلى الموسيقى والأغاني والرياضة وخلافه.. وقد لعب التواجد خارج المنازل لفترات أطول إلى استمرارية واستدامة ثقل وكثافة الاستماع والاستمتاع بالراديو كوسيلة تقليدية معتادة في السابق، البودكاست حتى اليوم وانتشاره عبر وسائط متعددة من أهمها الهواتف النقالة الذكية وغيرها من الوسائط.
على الرغم من فشل ظهور البودكاست تجاريا في بداياته الأولى إلا أنه أصبح وأضحى وأمسى المشاع الآن والمنتعش حاليا بهذا الاسم ذائع الصيت، وفي الأغلب تجمع المادة المذاعة مصورة بفيديو كاست أي مرئي ومسموع معا وليس مجرد مسموع فقط كما كان في السابق، وقد بدأ تحول المحتوى النصي الشفهي من الحكي إلى المقروء إلى المسموع ثم إلى المرئي ثم إلى المسموع المرئي معا في الوسائل التقليدية السابقة.. ثم زاد الأمر رواجا مع المزيد من الانتشار الرقمي والوسائل والوسائط الرقمية تحديدا خلال العقود الأربعة الماضية.
بدأت رحلة أو مسيرة البودكاست في يوليو 1979م بإنتاج شركة سوني اليابانية أول جهاز سمعي للإنسان الماشي Walkman، أتبعته بجهاز سمعي آخر اسمه إنسان الاستماع للأسطوانات Discman في نوفمبر 1984م.. ثم تم تطوير ما يعرف بالمشغل المطور MP3 Player في مارس 1989م.. ثم أنتجت شركة سامسونج الكورية أول هاتف متنقل جوال في سبتمبر 2000م.. أعقبتها بعد ذلك شركة آبل الأمريكية في أكتوبر 2001م في إنتاج أول جهاز آي بود iPod.. ثم أنتجت شركة آبل الأمريكية أول هاتف جوال متنقل من فئة الهواتف الذكية Smartphones في يونيو 2007م ومنها كانت الانطلاقة في أقل من عقد من الزمان أنتجت شركة آبل أول سماعات دون أسلاك Wireless بمسمى آير بود AirPod في ديسمبر 2016م، وهكذا اكتملت لتقنية الاستماع دورتها في التجهيز لفترة وفورة ظهور البودكاست لتلامس أروج الأشكال والرسائل والوسائل الناشطة عالميا في السنوات الأخيرة رغم تعثر البدايات الأولى.. ولكن ما أن تم الجمع بين كل من الصوتيات والمرئيات معا ازداد هذا النمط الاتصالي اشتعالا ومزجا بين الرسالة والوسيلة في قالب أو نمط أو محتوى واضح منافس لبقية الوسائل غير التقليدية الأخرى.
يقدر حجم إيرادات الإذاعة التقليدية عبر الراديو فقط في حدود 35 بليون دولار أمريكي في 2024م.. في حين يقدر حجم إيرادات الإذاعة التقليدية بالتلفزيون وحده في حدود 97 بليون دولار أمريكي في 2024م أي قرابة الثلاثة أضعاف تقريبا، ويقدر حجم الإنفاق على البودكاست عالميا في حدود 4 بلايين دولار أمريكي في 2024م وفقا لدراسة Backlinko في سبتمبر 2024م لعدد 546 مليون متابع حول العالم، إلا أن إيراداته لا تزال متدنية إعلانيا لاعتمادها الرئيس على الاشتراكات، أي التوزيع فقط دون الإعلان، وتمثل الولايات المتحدة الأمريكية أكثر دول العالم استخداما لما يطلق عليه البودكاست بنسبة تصل إلى 47% من استخدامه في العالم اجمع في الدراسة السابقة نفسها.
وقد أوضحت دراسة أخرى من قبل استاتستا Statista في أكتوبر 2023م أن هناك أكثر من 303 ملايين برنامج بودكاست بحدود 180 مليون حلقة لعدد لا يقل عن 400 مليون متلقٍ حول العالم في 2023م، وقد أكد المصدر السابق نفسه في تقرير آخر أنه في خلال عام واحد من 2021 إلى 2022 ارتفعت نسبة متابعين البودكاست وحده في العالم من 13% إلى 27%، باضطراد يزيد على الضعف، مع توقع المزيد في السنوات اللاحقة.. خاصة بعد أن ساهمت التقنية الحديثة في انتشاره.
تعد الأحاديث الصوتية أو البصرية أكثر ما يجذب المستمع والمشاهد على حد سواء، وفقا لنجومية المتحدث ولباقة المحاور في طرح أسئلة تعظم المحتوى المقدم لكل متلقٍ.. من هنا برزت أهمية البودكاست كشكل اتصالي يمزج بين الصوت والصورة في البوح أو الحديث العام أو المتخصص الذي يوجهه ويؤثر في المتلقي ويجعله يتابع الاستماع أو المشاهدة لفترة طويلة نسبيا، علما بأن التحدي الأكبر لهكذا حوارات ممتدة تتراوح عادة ما بين 1 - 3 ساعات وربما أكثر في بعض الحوارات الشيقة.
ويواجه الانتشار العارم لنمط البودكاست تحدي تقليص كل من مدى الانتباه Span of Attention للتشغيل أو البدء، والذي يتراوح من 2 - 3 ثوانٍ، أو مدى الاهتمام Span of Interest للاستماع وللاستمرار والذي يتراوح بين 10 - 15 ثانية في 2024م.. فمن الملاحظ تراجع أغلب المتابعين بعد تلك المعدلات المتدنية خصوصا من الأعمار الصغيرة والشابة من جيل Z إلى الموسيقى والرياضة بشكل مضطرد جدا، على عكس الأعمار المتوسطة والكبيرة من الأجيال السابقة لكل من جيلي X وY علاوة على بقية العوامل الأخرى المؤثرة سلبا إلى الأخبار والسياسة للفئات العمرية الأكبر.
كما تشير التقارير إلى أن أبرز الموضوعات التي يتابعها متلقو البودكاست في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الأكبر على مستوى العالم بنسبة تصل إلى 49% في 2024م.. كما تشير دراسة لأبرز المحتوى المتابع في أمريكا وحدها في 2022م كانت تتركز في الجرائم الحقيقية بنسبة 24%، تليها السياسة والأخبار بنسبة 19%، ثم تليها الكوميديا والرياضة والدراما بنسب تتراوح بين 9 - 10 لكل منها على حدة، وبالطبع تختلف نوعية مواد المحتوى من بلد لآخر وفقا لاهتمامات كل مجتمع.. لذا فإن برامج البودكاست تحتاج إلى المزيد من الإبداع في التنوع لكسر الملل أو الرتابة أو فقدان الشهية للمتابعة والاستمرارية في الحلقات كاملة، وربما يساعد في التغلب على ذلك اقتناص أبرز اللقطات والعبارات وتقديمها بشكل مختصر أو موجز لتعويض فقد الانتباه والاهتمام، وليس فقط للترويج للمشاهدة والمتابعة لجميع فقرات الحوار الممتد لساعات في الحلقة الواحدة.. ولعل الاعتماد فقط على نجومية الضيف وحده أو احترافية المحاور في التنقل عبر دقائق البرنامج بل ربما ثوانيه.. وإذا كانت دقات قلب المرء كما يقال دائما 'قائلة له إن الحياة دقائق وثوانٍ'.. فإن لحظات البودكاست في الحلقة الواحدة عادة أكثر من ذلك بكثير.. وقد يعالج هذا التحدي الخطير بإبراز أهم الإضافات أو الإضاءات Highlights ليس فقط للترويج للحلقة ولكن لكسر الرتابة والملل، اللذين قد يتسربا سريعا للمتلقي طوال فترة المتابعة لحلقات البودكاست.. والتي عادة ما يقدمها الضيف أو الضيوف ليس فقط لتحقيق فعل التأثير Affect المستهدف أو حتى الوصول إلى الأثر Effect المتحقق، وذلك من خلال تحقيق أعلى العوائد الاستثمارية Return Of Investment من تقديم هذا النمط الاتصالي القديم الجديد الآتي.
من المؤكد أن ما كان يرد في زمن الحكواتي Storytelling الشفوي المعروف قديما منذ أزمان الأساطير والروايات والحكايات الشفهية المعبرة عن رغبات وتطلعات الشعوب في السابق.. قد تم نسخها مجددا في سرد نصي Text Script ثم سرد صوتي Audio Script إلى سرد مصور Visual Script.. وأخيرا وليس آخرا السرد الصوتي المصور Audio Visual Script أو لعله من الواضح أن يطلق عليه الآن بودكاست Podcast.. الزمن الحاضر وربما القادم والآتي بلا أدنى شك من عباءة الاتصال الإنساني في الزمن الماضي، ولكن في شكل جديد أو نمط أجدد يبرز في أغلب الوسائل والوسائط التقليدية وغير التقليدية الحالية والقادمة باسم بودكاست الزمن الآتي.
وكان الأستاذ محمد محمود شعبان الشهير باسم 'بابا شارو' - يرحمه الله - أحد أبرز رواد الفن الإذاعي في العالم العربي وليس في مصر فقط.. بعد أن انطلق منها إلى تدريس مواد الفن الإذاعي في العالم العربي أجمع، ومنها السعودية طبعا.. ولعله من حظ الدارسين في قسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة أن تولى بابا شارو تدريس مادة الفن الإذاعي في عام 1977م ومن ضمنهم كاتب المقال، وكان دائم الترديد في محاضراته الرائعة المتميزة 'لا جديد تحت الشمس' انطلاقا من أن ما تنتجه مخلوقات الله من مخترعات ما هي إلا أصداء لصنعة الخالق عز وجل وحده، وبالتالي فإن معظم الاختراعات الإنسانية من وسائل اتصالية تقليدية كانت مثل المطبعة والراديو والسينما والتلفزيون، وغيرها من غير التقليدية الرقمية الحديثة، إلا أدلة دامغة على ذلك المفهوم الإيماني الرفيع.
لا يزال الراديو كوسيلة اتصالية وربما دون غيره من الوسائل التقليدية الأكثر حظا في القدرة على الاحتفاظ بالمتابعين من مستمعين ومستمتعين معا عن بقية الوسائل الأخرى مثل التلفزيون التقليدي على وجه التحديد، وربما قد تنافسه في ذلك بقوة أيضا السينما في المحافظة على جماهيرها الغفيرة حتى يومنا هذا عبر الوسائل والوسائط المختلفة.
وكل من الراديو والسينما لا يزال يحرص على الاحتفاظ بنسب في حدود لا تقل عن 10% من حجم متابعة الوسائل الأخرى سواء التقليدي أو غير التقليدي الرقمي منها أو المتداخل فيما بينهما، ولعله من البديهي أن نذكر أن 50% من مستمعي الإذاعة بالراديو فقط أو الوسائط السمعية الأخرى يتابعون المحتوى المذاع أو البث المباشر أو الآجل من خارج منازلهم، وذلك خلال تواجدهم في وسائل المواصلات المختلفة من سيارات أو أتوبيسات وقطارات أو طائرات وخلافه.. مما أدى بالطبع إلى زيادة الاحتياج والاجتياح للبرامج الحوارية المليئة بالبوح من قبل ضيوفها المتحدثين إلى المستمعين عبر خاصية الإذاعة بالراديو الآثرة والمؤثرة.
الأحاديث الصوتية أو حتى البصرية عادة ما تجذب المستمع والمشاهد على حد سواء وفقا لنجومية وتألق وتخصص المتحدث، بالإضافة إلى لباقة المحاور في طرح الأسئلة المطلوبة والمتوقعة من أجل تعظيم المحتوى المقدم لكل متلقٍ دون استعراض عضلات المحاور حتى لا يستأثر بالحديث أو حتى يقحم آراءه الخاصة إلا للضرورة أو لإدارة دفة الحوار والحديث في اتجاهات محددة وببراعة تجعل الحديث المذاع يخص المتلقي ويعنيه بحميمة مفرطة وتسرب سردي ممتع.
في دراسة أجريت على عينة من 45 ألف مبحوث حول العالم في 2022م من قبل مركز استاتستا Statista، تم التأكد من استمرارية تميز الراديو كوسيلة تقليدية بما لا يقل عن 10 - 11 ساعة أسبوعية بمعدلات عالية قد تكون أقلها بين فئة الشباب من 16 - 24 عاما في حدود 59%، وترتفع تدريجيا إلى فوق 71% حتى حدود 78% في الفئات العمرية الأكبر إلى ما فوق 64 عاما، وبكل تأكيد ساعدت التقنيات الحديثة والشغف للمتابعة خلال القيام بأي أعمال أخرى، وهي خاصية تتميز بها الإذاعة بالراديو دون غيرها من الوسائل.
تتعدد المحتويات المذاعة من الأخبار والمواد الجادة إلى الموسيقى والأغاني والرياضة وخلافه.. وقد لعب التواجد خارج المنازل لفترات أطول إلى استمرارية واستدامة ثقل وكثافة الاستماع والاستمتاع بالراديو كوسيلة تقليدية معتادة في السابق، البودكاست حتى اليوم وانتشاره عبر وسائط متعددة من أهمها الهواتف النقالة الذكية وغيرها من الوسائط.
على الرغم من فشل ظهور البودكاست تجاريا في بداياته الأولى إلا أنه أصبح وأضحى وأمسى المشاع الآن والمنتعش حاليا بهذا الاسم ذائع الصيت، وفي الأغلب تجمع المادة المذاعة مصورة بفيديو كاست أي مرئي ومسموع معا وليس مجرد مسموع فقط كما كان في السابق، وقد بدأ تحول المحتوى النصي الشفهي من الحكي إلى المقروء إلى المسموع ثم إلى المرئي ثم إلى المسموع المرئي معا في الوسائل التقليدية السابقة.. ثم زاد الأمر رواجا مع المزيد من الانتشار الرقمي والوسائل والوسائط الرقمية تحديدا خلال العقود الأربعة الماضية.
بدأت رحلة أو مسيرة البودكاست في يوليو 1979م بإنتاج شركة سوني اليابانية أول جهاز سمعي للإنسان الماشي Walkman، أتبعته بجهاز سمعي آخر اسمه إنسان الاستماع للأسطوانات Discman في نوفمبر 1984م.. ثم تم تطوير ما يعرف بالمشغل المطور MP3 Player في مارس 1989م.. ثم أنتجت شركة سامسونج الكورية أول هاتف متنقل جوال في سبتمبر 2000م.. أعقبتها بعد ذلك شركة آبل الأمريكية في أكتوبر 2001م في إنتاج أول جهاز آي بود iPod.. ثم أنتجت شركة آبل الأمريكية أول هاتف جوال متنقل من فئة الهواتف الذكية Smartphones في يونيو 2007م ومنها كانت الانطلاقة في أقل من عقد من الزمان أنتجت شركة آبل أول سماعات دون أسلاك Wireless بمسمى آير بود AirPod في ديسمبر 2016م، وهكذا اكتملت لتقنية الاستماع دورتها في التجهيز لفترة وفورة ظهور البودكاست لتلامس أروج الأشكال والرسائل والوسائل الناشطة عالميا في السنوات الأخيرة رغم تعثر البدايات الأولى.. ولكن ما أن تم الجمع بين كل من الصوتيات والمرئيات معا ازداد هذا النمط الاتصالي اشتعالا ومزجا بين الرسالة والوسيلة في قالب أو نمط أو محتوى واضح منافس لبقية الوسائل غير التقليدية الأخرى.
يقدر حجم إيرادات الإذاعة التقليدية عبر الراديو فقط في حدود 35 بليون دولار أمريكي في 2024م.. في حين يقدر حجم إيرادات الإذاعة التقليدية بالتلفزيون وحده في حدود 97 بليون دولار أمريكي في 2024م أي قرابة الثلاثة أضعاف تقريبا، ويقدر حجم الإنفاق على البودكاست عالميا في حدود 4 بلايين دولار أمريكي في 2024م وفقا لدراسة Backlinko في سبتمبر 2024م لعدد 546 مليون متابع حول العالم، إلا أن إيراداته لا تزال متدنية إعلانيا لاعتمادها الرئيس على الاشتراكات، أي التوزيع فقط دون الإعلان، وتمثل الولايات المتحدة الأمريكية أكثر دول العالم استخداما لما يطلق عليه البودكاست بنسبة تصل إلى 47% من استخدامه في العالم اجمع في الدراسة السابقة نفسها.
وقد أوضحت دراسة أخرى من قبل استاتستا Statista في أكتوبر 2023م أن هناك أكثر من 303 ملايين برنامج بودكاست بحدود 180 مليون حلقة لعدد لا يقل عن 400 مليون متلقٍ حول العالم في 2023م، وقد أكد المصدر السابق نفسه في تقرير آخر أنه في خلال عام واحد من 2021 إلى 2022 ارتفعت نسبة متابعين البودكاست وحده في العالم من 13% إلى 27%، باضطراد يزيد على الضعف، مع توقع المزيد في السنوات اللاحقة.. خاصة بعد أن ساهمت التقنية الحديثة في انتشاره.
تعد الأحاديث الصوتية أو البصرية أكثر ما يجذب المستمع والمشاهد على حد سواء، وفقا لنجومية المتحدث ولباقة المحاور في طرح أسئلة تعظم المحتوى المقدم لكل متلقٍ.. من هنا برزت أهمية البودكاست كشكل اتصالي يمزج بين الصوت والصورة في البوح أو الحديث العام أو المتخصص الذي يوجهه ويؤثر في المتلقي ويجعله يتابع الاستماع أو المشاهدة لفترة طويلة نسبيا، علما بأن التحدي الأكبر لهكذا حوارات ممتدة تتراوح عادة ما بين 1 - 3 ساعات وربما أكثر في بعض الحوارات الشيقة.
ويواجه الانتشار العارم لنمط البودكاست تحدي تقليص كل من مدى الانتباه Span of Attention للتشغيل أو البدء، والذي يتراوح من 2 - 3 ثوانٍ، أو مدى الاهتمام Span of Interest للاستماع وللاستمرار والذي يتراوح بين 10 - 15 ثانية في 2024م.. فمن الملاحظ تراجع أغلب المتابعين بعد تلك المعدلات المتدنية خصوصا من الأعمار الصغيرة والشابة من جيل Z إلى الموسيقى والرياضة بشكل مضطرد جدا، على عكس الأعمار المتوسطة والكبيرة من الأجيال السابقة لكل من جيلي X وY علاوة على بقية العوامل الأخرى المؤثرة سلبا إلى الأخبار والسياسة للفئات العمرية الأكبر.
كما تشير التقارير إلى أن أبرز الموضوعات التي يتابعها متلقو البودكاست في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الأكبر على مستوى العالم بنسبة تصل إلى 49% في 2024م.. كما تشير دراسة لأبرز المحتوى المتابع في أمريكا وحدها في 2022م كانت تتركز في الجرائم الحقيقية بنسبة 24%، تليها السياسة والأخبار بنسبة 19%، ثم تليها الكوميديا والرياضة والدراما بنسب تتراوح بين 9 - 10 لكل منها على حدة، وبالطبع تختلف نوعية مواد المحتوى من بلد لآخر وفقا لاهتمامات كل مجتمع.. لذا فإن برامج البودكاست تحتاج إلى المزيد من الإبداع في التنوع لكسر الملل أو الرتابة أو فقدان الشهية للمتابعة والاستمرارية في الحلقات كاملة، وربما يساعد في التغلب على ذلك اقتناص أبرز اللقطات والعبارات وتقديمها بشكل مختصر أو موجز لتعويض فقد الانتباه والاهتمام، وليس فقط للترويج للمشاهدة والمتابعة لجميع فقرات الحوار الممتد لساعات في الحلقة الواحدة.. ولعل الاعتماد فقط على نجومية الضيف وحده أو احترافية المحاور في التنقل عبر دقائق البرنامج بل ربما ثوانيه.. وإذا كانت دقات قلب المرء كما يقال دائما 'قائلة له إن الحياة دقائق وثوانٍ'.. فإن لحظات البودكاست في الحلقة الواحدة عادة أكثر من ذلك بكثير.. وقد يعالج هذا التحدي الخطير بإبراز أهم الإضافات أو الإضاءات Highlights ليس فقط للترويج للحلقة ولكن لكسر الرتابة والملل، اللذين قد يتسربا سريعا للمتلقي طوال فترة المتابعة لحلقات البودكاست.. والتي عادة ما يقدمها الضيف أو الضيوف ليس فقط لتحقيق فعل التأثير Affect المستهدف أو حتى الوصول إلى الأثر Effect المتحقق، وذلك من خلال تحقيق أعلى العوائد الاستثمارية Return Of Investment من تقديم هذا النمط الاتصالي القديم الجديد الآتي.
من المؤكد أن ما كان يرد في زمن الحكواتي Storytelling الشفوي المعروف قديما منذ أزمان الأساطير والروايات والحكايات الشفهية المعبرة عن رغبات وتطلعات الشعوب في السابق.. قد تم نسخها مجددا في سرد نصي Text Script ثم سرد صوتي Audio Script إلى سرد مصور Visual Script.. وأخيرا وليس آخرا السرد الصوتي المصور Audio Visual Script أو لعله من الواضح أن يطلق عليه الآن بودكاست Podcast.. الزمن الحاضر وربما القادم والآتي بلا أدنى شك من عباءة الاتصال الإنساني في الزمن الماضي، ولكن في شكل جديد أو نمط أجدد يبرز في أغلب الوسائل والوسائط التقليدية وغير التقليدية الحالية والقادمة باسم بودكاست الزمن الآتي.