قيادة الاستدامة وعقلية الوفرة
الخميس / 5 / جمادى الأولى / 1446 هـ - 01:51 - الخميس 7 نوفمبر 2024 01:51
كتبت مقالا في صفحة الرأي بصحيفة مكة يوم الخميس الموافق 31 أكتوبر 2024 بعنوان 'ثلاثية الاستدامة وركائز الرؤية'، وتحدثت فيه عن فلسفة الاستدامة الأزلية وما تنادي به حديثا كفكر متوارث آمنت به الدول والحكومات والمنظمات العصرية بثلاثية مؤداها المجتمع الذي تكون بالبشر ثم البيئة التي تكيفوا فيها وأخيرا الاقتصاد المحوكم نتاج المجتمع والبيئة.يجب أن نفرق بين الاستدامة والتنمية المستدامة؛ فالأولى تعني المحافظة على استمرارية الحياة اعتمادا على الموارد البشرية الإنسانية والطبيعية البيئية والاقتصادية المادية بهدف إحداث التوزان بينها؛ أما تنميتها تعني استحداث آليات تجعلها دائمة تساعد الجيل الحالي والأجيال القادمة بأسلوب وقائي وعلاجي مقنن ومتجدد دون استهلاك عشوائي جائر غير محدد.من حسن الطالع أن دور المملكة أصبح رياديا حين توافقت منذ البدايات بتبنيها لمفهوم الاستدامة مع رؤيتها التي أعلنتها بركائزها الثلاث بأن تصبح مجتمعا حيويا واقتصادا مزدهرا ووطنا طموحا لكي تتواءم مع فلسفة الاستدامة؛ الأمر الذي تطلب معه العمل المؤسسي المستقبلي لكل منظمة وطنية بأن تعمل على صناعة القائد التنظيمي الكفؤ لرعاية هذه الثلاثية، تحقيقا للإنتاج الوطني وديمومة نفعه المتوالي لجميع رؤوس الأموال المحركة لعجلة التنمية الاقتصادية من تقديم الخدمات وتنويع المنتجات المختلفة البشرية والنفسية والمجتمعية والعلمية والعملية والصحية والنقدية والمادية، بالإضافة للتفريعات التنموية، مثال ذلك إبراز القوة الناعمة الوطنية كالقدرات الإعلامية والممتلكات السياحية والإرث الثقافي والممكنات الرياضية التنافسية لرفع قيمة جودة الحياة السعودية والتي يمكن العمل على استدامتها بمشيئة الله.القائد المستدام شخصية أجدها تؤمن بأهمية دعم الفريق باستمرار برؤى مرحلية ثاقبة وأهداف مستقبلية واضحة تنطلق من محيطه السكني ثم العملي ومن ثم المجتمعي، تحت مظلة وطنه ضمن قارته المنتمية للعالم ليكون أفضل وأجمل.القيادة المستدامة أرى بأنها استراتيجية تحقق التوزان الفعال بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ضمن إطار يتنامى بالمسؤولية، وتتم متابعته وتجويده بين دفتي الأداء والفعالية لإيجاد القائد الفذ صاحب الرؤية البعيدة بإدراك معنى التوأمة بين مصلحة المنظمة التي يقودها ومن ثم أهداف الرؤية المستقبلية التي يستشرفها، وبالتالي التوافق مع فلسفة الاستدامة العالمية التي يصبو إليها.شخصية القائد تتشكل من خلال خصائص معينة لسماته الموروثة وأنماطه المكتسبة وتتعزز سلوكياته في الأساس بمعياري النزاهة والأمانة لدعم أبعاد صناعة القائد المستدام، وذلك بالإبداع والابتكار والبحث عن حلول جديدة عن طريق تنويع وتوجيه رأس المال البشري من مختلف التخصصات والمهارات، وتطوير رأس المال البشري باعتباره قوة منظمية فاعلة، والتي يجب المحافظة عليها وتدريبها، بأهمية الوعي بالتوازن بين حق العمل وحق الموظف حتى لا يحدث دون إفراط ولا تفريط، والاهتمام بالتقدم المستمر وتوجيه المنظومة نحو تحقيق الرؤية المشتركة المستقبلية وليس فقط تحقيق النتائج الآنية، ورعاية أصحاب المصالح مع المنظمة بإدامة العلاقات وتبادلها معهم بالوضوح والشفافية والاحترام والالتزام والمسؤولية.جميع ذلك يحتاج لبناء كفاءات عقلية القائد المستدام وقناعته الراسخة بفكر الوفرة ليتمكن من التشارك المعرفي مع الآخرين والتعاون معهم لتحقيق النجاحات المختلفة، كما أن لتفكيره التوسعي ضرورة بالغة بأن همه المجتمعي العام أكبر من اهتمامه المنظمي الخاص بتبني اختلاف الثقافات والجنسيات لتكوين العلاقات وزيادة استراتيجية الوعي بالفكر المستدام، من خلال المنهج الرباني القويم 'وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا'.عقلية الوفرة تعني بأن الكوكب الذي ننتمي إليه يكفينا جميعا بامتلاكنا للفكر المستدام، والإيمان بحق العيش المتوازن بسلام ووئام بمصادر ربانية انطلاقا من المبدأ القرآني العظيم 'وكلوا واشربوا ولا تسرفوا'.Yos123Omar@