الرأي

صناعة الثقافة المرورية في المدن

وليد الزامل
ثقافة مرورية يمارسها (البعض) يوميا دون أن يعني أنها ترسم شيئا فشيئا صورة ذهنية سلبية للمدن لا يمكن مسحها أو تقويمها بسهولة. أصبحت هذه الممارسات المرورية عادات تشربها (بعض) أفراد المجتمع؛ يمارسها الشاب وكبير السن، المتعلم وغير المتعلم، المثقف والجاهل؛ بل أراها جزءا لا يتجزأ من نمط حياة يقوده مزاج جمعي صنعه قلة من المتهورين ولكنه أثر سلبيا على الجميع. فهذا أحدهم يقود سيارته بأقصى سرعة ليلتصق بمؤخرة المركبات التي أمامه دون ترك أي مسافة أمان. يتخطى كمًّا كبيرا من السيارات للدوران أولا وقبل الجميع، وينتقل من أقصى المسار الأيسر إلى المسار الأيمن سريعا للوصول إلى المخرج. أما الآخر فيحاول استغلال أي فراغات في الطريق ليحشر مركبته لعله يصل إلى عمله مبكرا كما يعتقد.

هؤلاء يمنعونك من ممارسة أي سلوكيات إيجابية، فإذا كنت تنوي الانتقال إلى مسار آخر مستخدما الإشارة الضوئية يزيدون سرعتهم ويستميتون لمنعك كي تمارس العشوائية وتمتنع عن استخدام الإشارة الضوئية. إذا قررت التوقف أمام خطوط المشاة لإعطاء أولية المشي، فيمارسون الضغط عليك بالمنبه والشتيمة أحيانا وكأنك مارست شيئا خاطئا. أما إذا أعطيت الأولوية للمركبات التي تسير في الطريق فيرمقوك بنظرات اشمئزاز تشعرك بنقص في الرجولة.

صنع هؤلاء وغيرهم مزاجا جمعيا عاما كرس سلوكيات مرورية سلبية؛ فحتى لو كنت تلتزم بالقواعد المرورية سوف تضطر أحيانا لمجاراة المزاج العام. هذه الثقافة المرورية تجدها في مدينة دون غيرها؛ لأن السلوكيات السلبية الفردية قادرة على قيادة السلوك الجمعي.

أذكر عند زيارتي لمدينة مومباي كان قائدو المركبات يستخدمون المنبهات دون سبب مما يجعلك تعيش في حالة صداع مستمر وأنت تستمع نغمات مزعجة طوال الطريق. وفي المقابل، لديهم ثقافة التسامح أو التغافل إن جاز التعبير عند وجود أي تجاوزات. أما في بعض دول أوروبا يلفت نظرك شدة الالتزام المروري والوقوف بمحاذاة خطوط المشاة واستخدام الإشارات الضوئية عند الانعطاف والتزام صفوف المركبات أثناء الدوران دون أي تجاوز. لديهم قواعد صارمة فأولوية المشاة أمر لا جدال فيه؛ أما علامة 'قف' لديهم فهي تعني كل خصائص المعنى الحرفي لكلمة 'قف'. قف تعني الوقوف التام، فلو تحركت ببطء فسوف يتم مخالفتك حتى لو كان الطريق المقابل خاليا من المركبات. تسير المركبات بهدوء تام وبطء وتتوجس خيفة من ارتكاب أي خطأ. يشعر قائد المركبة بالخجل عند ارتكاب تجاوزات مرورية؛ لأن السواد الأعظم من المجتمع يستهجن هذه السلوكيات.

في الثمانينات الميلادية كنا نشاهد برنامجا توعويا رائدا بعنوان 'احذر تسلم'. البرنامج كان يقدم مشاهد خارجية تم تصويرها بتقنيات تصوير الأفلام السينمائية المتقدمة وهي أقرب للمشاهد الواقعية، مع تقديم شرح وافٍ عن اللوحات الإرشادية، والسلوكيات الخاطئة، وأنظمة السلامة المرورية التي يجب اتباعها. لا أعرف لمَ اختفى هذا البرنامج ولم يتم إصدار مواد توعوية تتسق مع التطورات الحديثة في التقنية وأنظمة الاتصالات.

على المستوى المحلي، نحن بحاجة إلى خلق ثقافة مرورية تميز مدننا، ثقافة تتسم بالالتزام والانضباط وإعطاء الأولوية للمشاة. ثقافة تكرس المفاهيم والقيم التي يتميز بها مجتمعنا بما في ذلك قيم الإيثار والتسامح ومساعدة الآخرين، والبعد عن التشنج والغضب أثناء القيادة.

وأخيرا، المجتمع قادر على صناعة ثقافة مرورية واعية متى ما تم منع هذه القلة المتهورة من السيطرة على المزاج الجمعي العام وتطبيق الأنظمة المرورية الصارمة بحقهم.