الرأي

فنجان من الحياة: هل طوابير القهوة انعكاس لأحلام جيل أم بحث عن معنى؟

محمد إدريس
في زوايا المدن، حيث يتناثر الضجيج وتتناثر الحكايات بين رشفات القهوة، تبرز صورة تستحق التأمل! شباب وفتيات يقفون في صفوف طويلة، ربما لا تستهويهم رائحة البن بقدر ما يجذبهم سحر تلك العلامة التجارية، أو لعله شيء آخر، أعمق وأخفى! فقد ظهر مؤخرا أحد الكافيهات بمنتج جديد، كوب وردي اللون، لقي رواجا واسعا وجذب أعدادا هائلة من الشباب، وكأن هذا اللون يحمل رمزية تتجاوز حدود الذوق الشخصي. أصبح الكوب الوردي علامة فارقة، تشير إلى أكثر من مجرد مشروب؛ إنه تعبير عن الانتماء إلى موجة جديدة من الأسلوب والتجربة، تلامس أبعادا غير مرئية في دواخل من يسعون وراءه.

وراء كل طابور قصة تنتظر من يسبر أغوارها؛ فهل يترجم هذا الانتظار تلهفا لرشفة قهوة، أم أن الأمر أعمق من مجرد مشروب صباحي؟ في زمن تكاد تُبتلع فيه الملامح الفردية وسط زحام الحياة السريعة، يبدو أن تلك الأكواب تحمل في طياتها رموزا تتجاوز كونها مجرد أوعية للشراب.

إنها شعارات مبطنة لطبقات من الأحلام والطموحات. لكل شاب يقف في الطابور فلسفته الخاصة: هناك من يراه فرصة للانتماء إلى جماعة، وآخر يطمح بأن يكون جزءا من صورة أكبر، مرسومة بألوان اللاوعي.

ولكن، ما الذي يجعل الشباب ينساقون خلف تلك الطوابير كأنها ممرٌ إلى عالم موازٍ؟ أهو البحث عن التميز في زمن أصبح فيه التميز معادلة صعبة؟ أم هي حاجة ملحّة لملء فراغ روحي تخلّفه الأيام التي تمضي بسرعة لا تُبقي فرصة للتأمل؟

قد تبدو الطوابير طويلة في ظاهرها، لكن في جوهرها ليست سوى مرآة لتطلعات هذا الجيل. جيل يقف في منتصف الطريق، بين ماضٍ يثقل كاهله بتقاليد لا تفارقه، ومستقبل يتأرجح بين أحلام كبيرة وواقع يعيد تشكيلهم كل يوم.

في تلك اللحظة التي يقف فيها الشباب في طوابير الكافيهات، يحتسون قهوتهم بروح تواقة إلى تجربة تنطبع في ذاكرتهم وتلون حياتهم بألوان عصرية زاهية. فالكوب الوردي الذي يحملونه قد لا يكون مجرد رمز لشيء متميز، بل هو صدى بين الذات والرغبة في الانتماء. فهل نحن أمام جيل يعبر عن ذاته عبر كوب قهوة، أم أن الأمر أعمق، حيث تكمن خلف كل رشفة قصة لم تُروَ بعد؟