الرأي

مشاكلنا مع الواقع، من أين تبدأ وإلى أين تنتهي؟

حنان درويش عابد
في كثير من الأحيان تكون صراعاتنا هي مع الواقع نفسه وليس مع أحد من الناس، فالواقع الذي تحكمه اعتبارات كثيرة من أهمها سياق العقد الاجتماعي الذي من خلاله يقبل المجتمع أن نعيش فيه كمكون فردي من مكوناته، وذلك العقد الاجتماعي الذي نعلم بأنه يفرض علينا الكثير من القوانين الشفهية غير المدونة، يدفعنا دوما في اتجاهات قد يراها البعض ضيقة غير مُعينَة له على تجاوز العقبات، وهنا يبرز لدى الإنسان تساؤل حول أفضل السبل لحل مشاكله مع واقعه!

والحقيقة أن حل مشكلتنا مع الواقع سهلة جدا، وسهولتها تأتي من عدة أوجه أولها أن الواقع ليس قدرا نعلمه يقينا لذا فالأصل في تعاملنا مع الواقع أننا نسعى دائما لتحسينه، وهنا تبرز إرادتنا قوة أو ضعفا في التعامل مع ملفات تحسين هذا الواقع سواء على المستوى الاجتماعي في علاقاتنا بالآخرين أو على المستوى المهني المتعلق بموارد رزقنا.

من جهة أخرى، يبرز أمامنا وجه آخر من أوجه تحسين واقعنا وهو إرادة تطوير قدراتنا وإمكاناتنا، لأن الكثيرين ينظرون إلى الواقع على أنه حالة اندماج تلتصق برحلتهم في الحياة وهي بالنسبة لهم غير قابلة للانفكاك عنهم، فالفقير يظل عمره كله يظن أنه سيموت فقيرا، ومحدود الإمكانات العلمية أو العملية يعتقد أنه سيظل على حاله تلك حتى نهاية العمر، والغارق في إشكالات مالية أو مجتمعية قد يخطئ كثيرا بفقده القدرة على رسم خط سير جديد لحياته ولواقعه، فيظل منجذبا لذلك الواقع الخالي من مقومات السعادة فيجرفه تيار الإحباط لسنوات وسنوات وقد لا يخرج من سجنه الذي وضع نفسه فيه بنفسه.

الواقع إذًا لا يمثل القدر النهائي للإنسان، وإنما يمثل اليوم محطة من محطات الحياة، وتلك المحطة لها وقت زمني محدد، وهكذا يجب أن ننظر إليها، والانطلاق نحو تحسين واقعنا والانتقال للمحطة الأفضل التالية يعتمد أولا على توفيق الله تعالى، وثانيا على سعينا الذاتي لتحسين ذواتنا وتطوير نسخنا الحالية لنكون النسخ الأفضل، وتلك كانت مسيرة الكثير من عظماء العالم من قادة وسياسيين ومفكرين وعلماء ومؤثرين، ذلك أن الإنسان لا يولد بالنسخة الأفضل ولكن تتم عملية تحسين تلك النسخة باستمرار.

من أجل هذا، كن دائما مستعدا للتطوير وللتحسين، ولا تبخل أبدا على نفسك وأنت تقوم ببناء قدراتك وتحسينها من دون توقف، فإن هذا العالم الحديث لن يصمد فيه سوى أولئك الذين قبلوا أن يخوضوا تحديات القرن الحادي والعشرين بفكر جديد وبإرادة فولائية عنوانها 'أكون أو لا أكون'.