الرأي

القوة تتحول إلى الـIT !

عبدالحليم البراك
في دراما ساخرة ولطيفة كانت القوة في المنشآت لدى موظف الصندوق (موظف الصندوق هو من يسلم الرواتب للموظفين) وموظف الصندوق هذا لا يعمل إلا خمسة أيام بالأسبوع يصرف فيها رواتب هذه المنشأة، اليوم الأول للمدير وكبار المسؤولين ويمر عليهم في مكاتبهم واحدا واحدا ويمضي مع كل واحد منهم نصف ساعة على الأقل يتضمنها، احتساء بعض القهوة وتذكر أبيات شعر وقصص وحكايات وربما قال له أودع المبلغ في البنك وأحضر لي الإيصال غدا، واليوم التالي يخصص للأصدقاء الذين يمرون عليه في غرفة الصندوق ذات النافذة الحديدية بالإضافة لغير الأصدقاء الذين تمت معهم عمليات مالية (كالتسليف والإسلاف)، فتتم عملية التسديد والمخالصات والاقتصاص من الرواتب والتخطيط لعمليات الإقراض للشهر القادم، وفي اليوم الثالث يأتي الموظفون جميعا بعد أن يتخابروا بأن الرواتب وصلت (هي واصلة من يومين ولم يخبرهم أحد) ويستمر الصرف يومين أو ثلاثة ويمشي صاحب الصندوق مثل الطاؤوس في الدائرة فهو الموظف الأهم، فإن تأخر فهو في البنك أو مؤسسة النقد أو الوزارة، وإن جاء فهو من يضحك ويبتسم له لأنه قد ينقص من راتبك بسبب الخطأ البشري، وإن قال نكتة بايخة فالجميع يضحك بلا استثناء، لأن غضبه أليم فكل ما سيقوله لك: اسمك سقط من المسير راجع الوزارة! ناهيك عن المزايا مثل المكافآت وخارج الدوام تلك التي ليس لها موعد محدد ويمكن أن يحدد موعدها هو؛ فيؤخر ما يشاء ولا يقدم ما يشاء!

هذه الحكاية قديمة ولم يعد لها قيمة فالرواتب تودع في الحساب وكذلك المكافآت والمزايا، فلم يعد للصندوق قيمة ولا صاحبه وحتى بدل أمين صندوق لم يعد ميزة لدى الموظف لأنه لا يمارس، فإن آجلا أو عاجلا سيقطع عنه! وظهر بطل آخر في الساحة وهو مبرمج الـIT، البطل الجديد الذي يملك عشرات الأسلحة الفتاكة في المنشآت، فهو يجبر رئيس الجهة على تجديد عقد الشركة المشغلة أو تغييرها لأن خطأ تقنيا واحدا في أنظمة الجهة يمكن أن يحرج الرئيس فيوافق فورا، وموظف الـIT هو من يقرر وهو من يحتاج إلى مزايا مالية ليعالج كل هذه التذاكر والمشاكل التي تطلب تعديلات في النظام، وإلا ترك النظام وترك الشكاوى، وهو أيضا الساحر الذي لديه القدرة على معرفة من عبث في النظام ومن لم يعبث وهو يقدر العبث إن كان مقصودا أو غير مقصود أما هو؟ فحاشا لله أن يعبث بالنظام ويخفي خطواته فكل موظفي الـIT يخافون الله ولله الحمد. كما أن هذا الموظف والمدير (قطاع الـIT) أكثر من (يولول) لما يطلب منه أحدهم طلبا تقنيا بحجة كم صرفنا من جهود على طلبات لم تستغل ولم تستخدم، وكان الأجدر صرفها في مكان آخر، والحقيقة أنه صرفها فعلا ليقوي موقفه ليس طاعة لزملائه!

موظف الـIT إن قال لا، فإنه ليس ثمة أحد يجبره على قول نعم، وإن قال نعم فلا أحد يجبره على قول لا، وأي ضغط عليه ربما كلف المنشأة تشهيرا عاما على المنصات الاجتماعية بسبب الشكاوى، ومن لا يخاف الله منهم لن يخاف من الشكاوى، بالمناسبة يستطيع موظف صغير في الـIT أن يداوم في منتصف وقت الدوام ويخرج قبل نهايته فهو الوحيد الذي يعمل ما لا يعمله ولا يعرفه غيره، فالأسرار عنده والتقنية بين يديه وهو الذي يقول إن هذه الخطوة مستحيلة أن تترجم في الكمبيوتر إن كان مزاجه غير رائق أو يريد أن يجدد عقده أو يريد أن ينعم بإجازة وإن عاد منها أصلح كل شيء، وأمر آخر فهو أقدر واحد على تضليل الإدارة فيمكنه أن يشير لمشكلة ربط وهي مشكلة تقنية داخل برمجته، ويمكنه أن يتهم شركات الاتصالات أو شركات الدعم ويطلع براءة من المشكلة، فمصطلحاته لا يعرفها إلا هو وصعب نفهم ما يقول، أما إن أحضرت عليه مديرا جديدا يضبط سلوكه فهو إما أن يتصارعا والمنشأة هي الضحية أو يتفقا عليك وتصبح أنت ومنشأتك والمستفيدون منها هم الضحية، وهما المستفيدان، فلا يعرف الثغرات إلا هما ولا يأكل من 'رأس القدر' إلا هما!

بالمناسبة تطلب من الـIT أن يصلح لك شيئا بسيطا في النظام فيقول لك من قال لك إن هذا بسيط؟ هذا يحتاج إلى إعادة برمجة النظام كله، وتعطيه فرصة ستة أشهر، فإن كان راضيا عنك فإن النظام سيتم إعادته قبل نهاية الدوام!

وأخيرا في الملعب الإداري الكبير، يوجد أكثر من لاعب يلعب دور الـIT وبحرفنة أكثر وهم موظفو القوى البشرية، فإن لم تبتسم لهم وتهادنهم ستخسر كثيرا يا عزيزي.