الرأي

العلا.. الوجهة الفريدة

فهد عبدالله
تشرفت بأن ألتقي بالرواة من شباب وشابات سعوديين في محافظة العلا الوجهة الفريدة، ورأيت ما يثلج الصدر في تلك الحماسة والاندفاعات المتألقة تجاه شرح التفاصيل التاريخية للأماكن الأثرية والتاريخية التي تجدها في كل زاوية من زوايا العلا، تملكني شعور الفخر بأن يكون هناك من أبناء الوطن من يعبر عن تفاصيله التاريخية وكأنها امتداد لجذورهم وهويتهم التي ورثوها من الآباء والأجداد حتى عصور ما قبل الميلاد.

الحقيقة تركت فيني أثرا أعتقد أنني لن أنسى تفاصيل تلك التجربة الفريدة، في كل معلم من معالم العلا ستجد تعانق التاريخ مع المناظر الطبيعية البكر التي لم تنلها الأيادي العابثة، ويحيطها من جميع الاتجاهات ذلك السكون والهدوء الذي يحثك بلا تخطيط مسبق للتأمل والتفكر والمحادثات الداخلية المطولة التي أعتقد أنها ستسلب منك فكرة الانشغال بأي أمر آخر.

هي بمثابة المتحف المفتوح، انطلاقا بمنطقة الحجر التي تعود لعهد الأنباط والتي يعود تاريخها للقرن الأول والثاني الميلادي وأول منطقة في المملكة العربية السعودية تتشح بالتراث العالمي اليونسكو، والتي تتزين بتلك المنحوتات المتقنة على صخورها وجبالها وتجعل من نظرك معلقا فيها إما لجمالها الفني أو لغرابة التصورات التي تداهمك في كيفية الجهود التي بذلت في ذلك العصر القديم من أجل إتقانها، ولا أنسى تلك القطعة الجبلية الفنية المنحوتة المعروفة بقصر الفريد، والتي ترجع ملكيتها لحيان بن كوزا، مرورا بجبل أثلب الذي يحتوي على تلك الغرفة شاهقة الارتفاع والمنحوتة في تكوين الجبل، والتي تعرف باسم الديوان الذي يجتمع في علية القوم من أجل المناسبات المتعددة.

وكذلك الوقوف على أطلال حضارتي دادان ولحيان التي كانتا مركزا مهما في تجارة القوافل والتي ما زال الجزء الأكبر منها تحت معاول التنقيب الدقيقة، ومنها إلى جبل عكمة وهو كتاب ممتلئ بالنقوش والكتابات متنوعة ومتعددة اللغات في شكل صارخ لالتقاء مكان واحد بأزمان متعددة، بعض الكتابات موجودة في أماكن شاهقة تقودك إلى أن الكتابة على هذه الصخور في ذلك الحين ليست من باب الترف أو التوثيق، ولكن خلفها شيء من الاعتقادات التي تجعلهم يتحملون هذا الجهد الهائل من الكتابة.

وبالتأكيد ستكون بلدة العلا القديمة أحد أعيان مكونات العلا التاريخية التي كانت مكان اجتماع المسافرين والسكان في الاحقاب التاريخية الماضية، وبمجرد دخولها ستشعر بدقة التصاميم في شكلها المتاهي الذي يعطي الطابع التشغيلي الأمني، والميول الهندسية للأرضيات من أجل تصريف مياه الأمطار من بداية دخول هذه البلدة حتى الخروج منها، مرورا بقلعة العلا التي تقع في منتصف البلدة، والتي بالتأكيد ستأسرك بمجرد بلوغ قمتها عندما ترى الصورة البانورامية لمحافظة العلا من أعلى سطح هذه القلعة.

مرورا بجبل الفيل وواحة العلا بوادي القرى وسكة حديد الحجاز وصخرة القوس والصخور الراقصة وصخرة الوجه والغراميل وحرة عويرض، فضلا عن أن مجرد الجلسة في أي بقعة من أماكن العلا وخاصة عندما يكون الجو معتدلا وكما نقولها بلهجتنا الدارجة ستكون الكشتة مستوفية لأعلى معايير سجة الخاطر.

كما كانت العلا في العصور القديمة أحد أهم المحطات في طريق البخور الذي يستخدم منذ آلاف السنين لتجارة البخور والتوابل، دبت إليها الحياة مجددا لترجع إلى سابق عهدها القديم وجذروها الممتدة لتكون أحد أهم محطات التبادل الثقافي العالمي، والذي بكل تأكيد يجعلنا نقول ونعتقد أن في العلا روايات سطرت تاريخيا وحكايا أخرى في طريقها للظهور.