الرأي

رحلتنا في اقتصاد تحلية المياه

حسين باصي
تحت شمس الصحراء الحارقة، حيث تمتد الرمال الذهبية بلا نهاية، تمثل المياه شريان الحياة.وفي المملكة العربية السعودية، بلد تتوسطه أكبر صحراء رملية في العالم، تشكل ندرة المياه تحديا وجوديا، لذا اتجهت المملكة نحو تحلية مياه البحر، محولة ملوحة البحر إلى عذوبة تروي ظمأ الإنسان وتنعش الأرض، لكن هذه العملية رغم أهميتها تستهلك كميات هائلة من الطاقة، مما يحتاج للمواجه ويشكل تحديا.بدأت رحلة المملكة مع تحلية المياه في القرون الماضية، مدفوعة بالنمو السكاني السريع والتنمية الصناعية المتسارعة.ومع مرور الزمن أصبحت المملكة رائدة عالميا في هذا المجال، حيث تنتج أكبر كمية من المياه المحلاة في العالم، حيث إن المملكة تنتج حوالي 22% من إجمالي الإنتاج العالمي للمياه المحلاة، لكن هذه الريادة تأتي بثمن باهظ، إذ تستهلك محطات التحلية كميات كبيرة من الطاقة.ووفقا لتقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة في 2021، يقدر أن تحلية المياه في المملكة تستهلك نسبة معتبرة من إجمالي إنتاج الكهرباء في البلاد.هذه النسبة قد تمثل عبئا على شبكة الكهرباء، خاصة في أوقات الذروة، وتساهم في زيادة انبعاثات الكربون، مما يؤثر على البيئة.إدراكا لهذا التحدي، انطلقت المملكة في رحلة جديدة نحو تحسين كفاءة الطاقة في محطات التحلية.شهدت السنوات الأخيرة توجها نحو استخدام تقنيات حديثة تقلل من استهلاك الطاقة، مثل التناضح العكسي وتقنيات الطاقة الشمسية.وفي هذا السياق أشارت دراسة نشرت في مجلة 'الطاقة' في 2022 إلى أن استخدام الطاقة الشمسية في تحلية المياه يمكن أن يقلل من تكلفة الإنتاج بنسبة كبير.كما تشجع المملكة الاستثمار في البحث والتطوير لإيجاد حلول مبتكرة تعزز استدامة قطاع تحلية المياه.ولا يقتصر دور المملكة على التوجه نحو الكفاءة والتقنيات الحديثة فحسب، بل يمتد إلى ريادة الجهود العالمية في هذا المجال.فقد أطلقت المملكة مبادرات لتبادل المعرفة والتجارب مع الدول الأخرى، مثل مؤتمر 'الابتكار يقود تحلية المياه' التي أطلقتها الهيئة السعودية للمياه بهدف تعزيز التعاون الدولي في مجال البحث والتطوير.هذا الدور يعزز من مكانة المملكة كلاعب رئيسي في اقتصاد تحلية المياه العالمي، ويساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.في الختام، تمثل رحلة المملكة في اقتصاد تحلية المياه قصة صراع الإنسان مع قسوة الطبيعة، وسعيه الدؤوب للتغلب على التحديات.ورغم التكلفة الواضحة لتحلية المياه، إلا أن المملكة تواصل مسيرتها الطموحة نحو تحقيق الأمن المائي، مستندة إلى الإبداع والتعاون الدولي لضمان مستقبل مستدام لأجيالها القادمة.HUSSAINBASSI@