الرأي

هل يعود دونالد ترامب مرة أخرى رئيسا لأمريكا؟

فيصل الشمري
يدور الكثير من الجدل والنقاش حول فرص الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أن يفوز بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى في نوفمبر القادم. في هذه الحالة سيصبح ترامب الرئيس السابع والأربعين لأمريكا. لكن هذا الأمر يعتمد على الفرص التي قد تعطي ترامب إمكانية انتخابه مرة ثانية لأمريكا رئيسا، وأيضا كيف يمكنه أن يتغلب على المصاعب الكثيرة التي تقف أمام فرصه في أن يكسب الرئاسة، ويتوقف الأمر أيضا على كيفية قيام ترامب نفسه بالدعاية لمسعاه السياسي، ومدى تقبل الشعب الأمريكي والناخب الأمريكي لدعاوى دونالد ترامب السياسية والانتخابية.

يمكن طرح هذه الفرضية التي تستخدم عادة في مناهج التحليل السياسي، والتي تعرف باسم الكسب عن طريق الخطأ، والمقصود بالخطأ هنا هو خطأ الغير. ويمكن ذكر هذا المثال. إعلان من صوتوا تحت بند غير ملتزم في انتخابات الحزب الديمقراطي الأولية في ولاية ميتشجان بأنهم لن يقوموا بالتصويت لصالح المرشحة الديموقراطية السيدة كامالا هاريس، نظرا لفشلها وإخفاق الرئيس بايدن في وقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة. ويبلغ عدد هؤلاء الناخبين حوالي مئة ألف ناخب. ويقدر الخبراء السياسيون أن رقم من صوتوا بطريقة ما في الانتخابات التمهيدية الحزبية الرئاسية يتضاعف على الأقل مرة أو مرتين عند إجراء الانتخابات الرئاسية يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر في العام الذي تتم فيه الانتخابات لاختيار رئيس الولايات المتحدة القادم. معنى هذا أن كامالا هاريس قد تخسر أكثر من مئتي ألف صوت في ولاية واحدة وهي ولاية ميتشجان. وولاية ميتشجان من الولايات المتأرجحة، وإذا أخفقت كامالا هاريس في أن تربح ميتشجان، لخسرت الانتخابات الرئاسية، ومعنى هذا بالتأكيد فوز ترامب بولاية ميتشجان وبهذا يكون رئيس الولايات المتحدة المقبل.

وما يعزز فوز ترامب أيضا بالبيت الأبيض هو أن شعبيته تزداد، بالإضافة إلى أن هناك بعضا من التعاطف معه ومحاولة إعطائه فرصة ثانية للعودة كرئيس للجمهورية، عسى أن يقوم بإنجاز ما لم يستطع إنجازه بسبب خسارته للانتخابات في 2020. ويمكن القول أيضا إن المعارضة من قبل منافسيه وخصومه من الحزب الجمهوري أقل عددا وأخف حدة عن ما واجهه منذ أربعة أعوام سابقة.

هناك عوامل أخرى قد تساعد ترامب وأهمها النظرية السياسية القديمة الخاصة بتركيبة المجتمع الانتخابي في أمريكا، ومفادها بأنه يفضل الحزب الجمهوري نظرا لحصول الجمهوريين على تأييد كل ولايات الجنوب الأمريكي بالإضافة إلى ولايات السهول الكبرى، مما يجعل مرشح الحزب الجمهوري يتمتع بأفضلية في عدد الولايات التي بإمكانه أن يربحها، وبهذه الطريقة يصل إلى رقم 270 الذي هو أكثر كحد أدنى من نصف عدد الأصوات في المجمع الانتخابي والتي يبلغ عددها 538 صوتا. إلا أن مزيدا من التحليل للولايات المتأرجحة قد يبين بعض الأفضلية لدونالد ترامب في أن يكسب أحد الولايات التي تعتبر أهم ولاية من الولايات المتأرجحة، والمقصود في هذه الحالة ولاية بنسلفانيا. في 2016 ربح ترامب ولاية بنسلفانيا ضد منافسته السيدة هيلاري كلينتون بفارق 44,284 صوتا. لكن في ذاك العام كان عدد الناخبين المسجلين في صفوف الحزب الديمقراطي يفوق عدد الجمهوريين في ولاية بنسلفانيا بحوالي مليون ناخب. معنى هذا أن ترامب استطاع أن يكسب ولاية بنسلفانيا منذ ثمانية أعوام عن طريق الحصول على أصوات الناخبين من الجمهوريين وأعداد كبيرة من الأشخاص المستقلين ومن الديمقراطيين. الآن وفي 2024 أصبح الفارق ما بين الناخبين المقيدين في سجلات الحزب الديمقراطي أكثر فقط بحوالي 333,000 ناخب عن الناخبين المقيدين في سجلات الحزب الجمهوري. ويتضح هنا أن الحزب الديمقراطي فقد في فترة ثماني سنوات أكثر من 600 ألف عضو. وبالطبع هذا يعزز من فوز دونالد ترامب بولاية بنسلفانيا. ولو فاز ترامب بولاتي بنسلفانيا وميتشجان، ضمن العودة مرة أخرى كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.

والتحليل بصورة مفصلة للمجمع الانتخابي يبين أيضا تفوق ترامب في ثلاث ولايات هامة، ألا وهي ولايات نورث كارولينا، وجورجيا، وأريزونا. وتبين استطلاعات الرأي تفوق ترامب بفارق ضئيل على منافسته كامالا هاريس في ولايتي نورث كارولينا وأريزونا الواقعتين في الجنوب الأمريكي، وأيضا في ولاية أريزونا الواقعة في الغرب الأمريكي. ومن الملاحظ أيضا أن شعبية ترامب تزداد في الولايات المؤيدة للحزب الديمقراطي بقوة، والتي تعرف باسم الولايات الزرقاء. وكمثال، يحصل ترامب في ولاية نيويورك على نسبة تقترب من 40% من مجموع أصوات الناخبين في استطلاعات الرأي التي تجرى حاليا قبيل موعد الانتخابات. وهذا يعتبر تقدما لأن ترامب خسر ولاية نيويورك أمام جو بايدن بنسبة 37.74؜% مقارنة بنسبة 60.87؜% لجو بايدن.

وعلى الرغم من هذا التفوق والميزات، إلا أن هناك عوامل سلبية للغاية قد تجعل ترامب خاسرا للسباق الرئاسي في 2024. هناك التهم الموجهة له التي تدينه جنائيا والتي قد تسبب في إصدار أحكام بالسجن بصدده. وقد يبدو هذا الأمر على أنه تصرف لا يجوز أن يلحق بشخص من يحاول أن يكون رئيس أمريكا الجديد. هناك أيضا الحملات الإعلامية الشرسة التي تشن ضده وتتهمه بالديكتاتورية وعدم الاهتمام بمصالح المواطنين، وبالذات الفقراء وأصحاب الدخل المحدود. البعض أيضا يوجه له الاتهامات بأنه يذكر أشياء غير واقعية مثل ما ذكره من أن المهاجرين غير الشرعيين في أمريكا يأكلون لحوم الحيوانات الأليفة، هناك أيضا مشكلة التقدم المستمر في استطلاعات الرأي الخاصة بكاميلا هاريس ضده. ومن ثم فإن الرئيس ترامب يواجه عقبات كثيرة في سعيه لأن يفوز بمنصب الرئاسة مرة أخرى.

لكن مدخل ترامب للعلاقات الدولية قد يساعده في تقديم نفسه على أنه سياسي له خبرة في مجال السياسة الخارجية. هو يريد التصالح مع روسيا وإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية. هو يريد منافسة اقتصادية وليست عسكرية مع الصين. وأهم من هذا هو يثمن بطريقة كبيرة الدور الهام الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. وإذا عدنا إلى زيارة ترامب للمملكة في مايو 2017، سوف نقرأ التالي 'شهد اليوم الأول لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية توقيع العديد من الاتفاقات المشتركة، بلغت 34 عقدا بقيمة إجمالية تخطت 380 مليار دولار. ولاقى ترامب استقبالا حافلا في الرياض تخلله طلقات مدفعية وطلعات جوية، كما تسلم قلادة الملك عبدالعزيز. وعقدت قمة ثنائية بين الملك سلمان بن عبدالعزيز وترامب للتباحث بشأن قضايا مشتركة'.

لذا فمن المتوقع أن تزداد المشاورات السياسية ما بين إدارة ترامب والسعودية إذا كسب ترامب السباق الرئاسي من أجل العمل على إنهاء أزمة غزة والعديد من أزمات الشرق الأوسط والخليج والعالم كله.