الرأي

عام من الإبادة والجريمة الإنسانية

زيد الفضيل
بشروق شمس هذا اليوم نكمل سنة كاملة من حرب متوحشة قادها الكيان الإسرائيلي ضد حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة، ودمر وقتل وأباد بسببها وتحت اسمها عشرات الألوف من المدنيين، وآلاف البيوت السكنية، بل ولم تنج المستشفيات وأماكن العبادة من إجرامه وقصفه المستمر، وبعد مرور عام كامل من ارتكاب الجرائم الإنسانية لم تحقق الحكومة الإسرائيلية المتطرفة أي غاية من غاياتها الاستراتيجية، فلا أمن تحقق، ولا استقرار اقتصادي تم، بل باتت جميع مدنهم مهددة ويعيش سكانها في حالة رعب مستمر، وخوف لا يتوقف.

وفي ظل ما نعيشه اليوم من تداعي الأحداث العسكرية بين دولة الكيان الإسرائيلي وحركة حزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، ومن قبلهم حركة حماس والجماعات الجهادية والمقاومة في فلسطين المحتلة، ومع وضوح حالة التسارع إلى الانجرار صوب حرب ضروس شبه إقليمية بين إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة وعديد من دول أوروبا الغربية، في مقابل جمهورية إيران وحلفائها من فصائل المقاومة؛ يقف المفكر السياسي حائرا أمام هذا المشهد السريالي، وغير قادر على فهم إصرار الحكومة والشعب الإسرائيلي على إهلاك أنفسهم، وتدمير كل الخيارات المتبقية لنجاتهم من مهلكة ستأكل ما بقي لهم من أمان وحظوظ للسلام.

في هذا السياق فقد حاولت السعودية والأردن وعدد من الدول العربية حث الحكومات الغربية المساندة لإسرائيل، لإقناع نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة بقبول المبادرة العربية للسلام، التي تنص على الاعتراف الإسرائيلي بمبادرة حل الدولتين، لكن حكومة إسرائيل وممثلي شعبها قد أبدوا رفضهم القاطع لذلك، تصورا منهم بأن إبادتهم للشعب الفلسطيني ومن إليهم ممكنة، وألا أحد قادرا على مواجهتهم عسكريا، في ظل الدعم العسكري الكبير من قبل الولايات المتحدة وعدد من عواصم أوروبا الغربية.

وواقع الحال فأمام كل هذا الصلف الصهيوني، وبالرغم من حجم القتل والإبادة التي مارسها الإسرائيليون في معركتهم، لكنهم لم يحققوا أي نصر حقيقي، ولم يعيدوا حالة الأمان الوهمية التي كانوا يعيشونها، بل وأصبحت مدنهم الرئيسية كتل أبيب وغيرها في مرمى النيران المستمر، وهو ما يزيد من استشعار الإسرائيليين لحالة الهلع والخوف التي لا يطيقونها، وستكون قاتلة لهم قبل أي رصاصة يمكن أن تصيبهم، إذ ومع انطلاق صفارات الإنذار المتكررة تتجمد الدماء في عروقهم، وذلك أشد وأنكى من الموت.

أشير إلى أن الغرور والإجرام بحجج دينية هما من يمنعا دولة إسرائيل حكومة وشعبا من أن يفكروا بعقل صحيح، ويعمدوا إلى تصفير المشاكل مع محيطهم العربي، وبخاصة أن جميع الدول العربية باتت قابلة بالسلام وفقا لمبادرة حل الدولتين، والتي ستكون لهم الغلبة فيها بحكم تطورهم التقني ونموهم الاقتصادي، غير أن أيدولوجيتهم الدينية تحول بينهم وبين السلام الشامل، إذ تأمرهم نصوصهم الدينية بقتل الأنفس، دون تفريق بين صغير وكبير، امرأة ورجل، مدني ومقاوم، فالكل بالنسبة لهم سواء، بل لم يتورعوا عن قصف المستشفيات والملاجئ المدنية، بحجج زائفة في كل وقت وحين، وهكذا فإن القتل وإزهاق الأرواح غاية في نصوص اليهود الدينية، والتي يفتخر نتنياهو وفريقه الحكومي بإعلانها بين فينة وأخرى، ومنها استشهاده في مؤتمر صحفي مع الوزير جدعون ساعر بقوله 'سألاحق أعدائي وسأقضي عليهم'؛ واستشهاده بنص توراتي قائلا 'والآن اذهب واضرب عماليق وحرمو ولا تعف عنهم، بل اقتلوا رجلا وامرأة، طفلا ورضيعا، بقرا وغنما، جملا وحمارا'؛ وهو بهذه النصوص يقوم بإسقاطها على الواقع المعاصر الذي نكون فيه نحن العرب بمثابة شعب العماليق وحرمو، ويؤكد ذلك قوله 'جنودنا كانوا جزءا من إرث يعود إلى 3 آلاف عام'.

أخيرا فإن فرص السلام كثيرة، وآخرها ما تم اقتراحه من مبادرة لوقف النار بعد مقتل إسماعيل هنية، لكن نتنياهو وحكومته المتطرفة ومن ورائهم نواب الشعب الإسرائيلي في الكنيست قد رفضوا كل المبادرات انطلاقا من أيدولوجية دينية ستكون وبالا عليهم، ومن غرور سيكون مدمرا لهم، وصدق الحق القائل (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور).