الرأي

المهارات الناعمة، المهارات الصلبة: الصراع من أجل القيادة

زينب الغامدي
عند التفكير أو الحديث عن أهم مهارات المستقبل يتبادر إلى أذهاننا تعدد الخبرات الوظيفية والشهادات العليا والاحترافية، وما يملكه الفرد من مهارات تقنية ولغوية ومهارات استخدام الذكاء الاصطناعي وغيرها مما بنيت عقولنا عليه لإنشاء سيرة ذاتية (جبارة) نتباهى بها، وأصبحت مقياسا لتميز الفرد ومعيارا للمفاضلة بين المتقدمين للشواغر الوظيفية واختيار الكفاءات في بيئات العمل.ولكن ماذا عن المهارات الناعمة؟ ماذا لو تم توظيف شخص في منصب قيادي بناء على ما يحمل من شهادات وخبرات، واتضح لاحقا بأنه لا يملك أيًّا من مهارات التواصل والقيادة والتفكير الاستراتيجي وحل المشكلات والتفكير الإيجابي والمرونة والتكييف والإلهام والتحفيز والإبداع وإدارة المشاعر والوعي الذاتي؟ هل الشهادات والخبرات أو كما يطلق عليها (المهارات الصلبة) كافية لتقييم الأفراد؟ هل فريق الموارد البشرية يضع بالحسبان المهارات الناعمة كمعيار للمفاضلة والتوظيف؟ هل يمكن للمهارات الصلبة وحدها أن تحقق النجاح الحقيقي والاستدامة في بيئة العمل؟ هل غياب المهارات الناعمة يشكل حاجزا أمام القيادة الفعالة والتعاون المثمر والإبداع المتجدد؟ هل من مكان للمهارات الناعمة يا قادة المستقبل؟ وهل يكفيكم ما تحملونه من خبرات وشهادات ومناصب للقيادة؟أصبح مصطلح 'الذكاء العاطفي' والذي يعد جزءا من المهارات الناعمة يستهلك بشكل كبير جدا وخاطئ، أحيانا داخل المنظمات، وذلك بعد فوات الأوان، فبعد وقوع الفأس بالرأس وتوظيف أفراد بمناصب قيادية بناء على سيرتهم الذاتية وأمجادهم اللامعة، يجد المجتمع الوظيفي نفسه في صراع وجدال وصدام مستمر معهم، مما يعطل سير العمل ويقلل الإنتاجية ويسبب الاحتراق الوظيفي و(الاستقالة الصامتة) لبعض الموظفين، حيث يتنحى بعضهم جانبا فاقدين الأمل في تحسين الوضع دون اكتراث لما سيؤول إليه حال المنظمة هاتفين 'وأنا ليه أتعب نفسي؟' أو 'وأنا إيش لي بوجع الراس؟' أو 'بالطقاق' أو 'يا سيدي سوّ اللي تبغا وفكني!!'، وبالرغم من ذلك تبقى المشكلة دفينة وغير مرئية لأصحاب الشأن، ويكون التبرير (ما قدروا يتفقوا مع بعض) ومن هنا تبدأ دوامة تنقّل الموظفين من قسم لآخر دون جدوى.فلماذا نسمح منذ البداية لهذا الوضع أن يحدث ويتكرر باستمرار داخل المنشآت؟ لماذا يصبح ازدهار المنشآت ومستقبلها (آخر هم الموظفين)؟ لماذا تصبح الجهود فردية واستعراضية بدلا من جماعية وإبداعية؟ لماذا تخسر المنظمات كفاءات بسبب سوء القيادات؟أدرك تماما بأنني أثقلت هذه (الفضفضة) بتساؤلات كثيرة بالرغم من أن الإجابة واضحة وبالخط العريض: فقدان المهارات الناعمة لدى الموظفين هو السبب الأول والأخير لانهيار فرق العمل والمنظمات بشكل تدريجي.فلا يمكن قطعا لأي فرد أن يكون ناجحا مهنيا ومتفوقا وظيفيا إن لم يكن لديه الحد الأدنى من مهارات اتخاذ القرار وحل المشكلات وتسوية النزاعات وإدارة الأزمات، بالإضافة إلى إدارة الذات والسيطرة على الانفعالات والمشاعر واحترام الآخرين وتقدير جهودهم لتحفيزهم وزيادة رضاهم وإنتاجيتهم.كما أن إدارة الوقت وعدم (المماطلة) في إنجاز المهام وتفويضها بشكل عادل ومبرر يلعب دورا كبيرا في كسب ثقة الفريق وولائهم، ولا شك بأن مستوى الحس الفني وزيادة الاطلاع والثقافة واستكشاف العالم خارج حدود المؤسسة يعمل على تحفيز الإبداع والإنتاجية والابتكار في بيئة العمل، وهذا يلهم الفريق بأكمله ويشجعه ويبدأ الأفراد بالتفكير خارج الصندوق داعمين قائدهم لمواجهة التحديات الجديدة برؤية متجددة وأفكار مبتكرة.هذه المهارات تخلق بيئة عمل إيجابية تعزز الروح الجماعية والتعاون بين أعضاء الفريق، وترسخ ثقافة من الاستدامة والتطوير المستمر، مما يجعل المنظمة أكثر مرونة وتكيفا مع المتغيرات السريعة في سوق العمل، وبالتالي يصبح كل فرد في الفريق جزءا لا يتجزأ من نجاح المنظمة وازدهارها.لذلك يجب على فريق الموارد البشرية إدراك أهمية هذه المهارات، ودمجها في معايير التوظيف والترقيات بشكل فعال، ويتم تقييمها من قبل مختص لضمان اختيار قادة حقيقيين يمتلكون التوازن بين المهارات الصلبة والناعمة على حد سواء، دون الحاجة إلى خسارة الموظفين وزيادة العبء على قسم الموارد البشرية بالانشغال بالمهاترات والصراعات وحل مشكلات الموظفين، وزيادة العبء على المؤسسة بدفع رواتب لأشخاص (محبطين وغير منتجين) نتيجة معاناة دائمة وتصادم مستمر مع مديريهم، (فرفقًا بنا وبأنفسكم وبالمؤسسات يا اتش آر، ووظفوا الناس الصح بالمكان الصح).