الرأي

التطفيف المعنوي

ياسر عمر سندي
بمسجد الحي وفي أحد خطب يوم الجمعة التي كان الإمام آنذاك يعظ المصلين من خلالها مشيرا إلى عظم العقوبة الربانية في سورة المطففين، وتلا الخطيب من الآية الأولى وحتى الثالثة 'ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون'؛ وهي من السور المكية التي جاءت لتقويم الناس أخلاقيا في تعاملاتهم البيعية ومشترياتهم التبادلية؛ وإذا ما أمعنا النظر في مضمون الآيات الكريمة وتحديدا في مصطلح التطفيف، نجد أنه مصدر للفعل طفف أي زاد على معدله الطبيعي وتعدى بقدر طفيف أي بسيط؛ والكثير منا يعلم مدى الوزر الذي يحمله من أراد بخس الناس أشياءهم وحقوقهم على الجانب المادي؛ وبدافع الأنا يزيد المطففون من معدلات حقوقهم إذا جاء الأمر لصالحهم، وعلى العكس من ذلك ينقصون في تلك الحقوق إذا جاءت لصالح الآخرين، وهذا الويل جاء وعيدا في الأمر اليسير فما بالكم بالكثير.وإذا ما أخذنا ذلك المعنى للتطفيف وأسقطناه قياسا على تعاملاتنا المعنوية للتقدير والاحترام ومعرفة الآداب والحدود سنجد القيمة الإيمانية الرئيسة أخلاقيا.للأسف نرى من البعض حرصه الشديد على إثبات الذات الشخصية وفرضها على الآخرين، بل ويبالغون أحيانا في تعمد ذلك الإبراز واستجلابه في جميع المواقف، وربما يقيمون الأرض ولا يقعدونها إذا لم يتم الالتفات لهم؛ بينما يرون أنفسهم أعلى كعبا وأفضل حظا لما يبدر منهم من سلوك يسير ومبتور من تعاملات سطحية تجاه الغير، بالإضافة لتلك السطوة المعلنة في مصادرة حقوق الآخرين ومقدراتهم النفسية.أجد من أول آيات سورة المطففين أسلوبا قيميا ومعيارا هادفا ورادعا في تعميم التعاملات المادية، وكذلك الحال للمعاملات المعنوية إذا ما تم سحبها على مواقف أخرى مشابهة؛ وفي الدارج يقال إذا أردت أن تستشعر بحق الآخر ضع نفسك مكانه، وفي المقابل تعامل مع الناس كما تحب أن يعاملوك؛ قدرا بقدر وندا بند، وإذا ما ازددت في تقديرهم واحترامهم هم بالتالي سيعاملونك بالآلية نفسها ويزيدونك كيلا.التطفيف الشخصي أراه أسلوبا أنانيا منفرا لما تكنه النفس البشرية من ضعف مغلف بورق هش، بينما الأخلاقيات تكمن فيما وراء ذلك من نوايا حسنة بأسلوب التساوي بالتسامي والتوازي بالتآخي واقتران انفعال المحبة في النفس البشرية التي لا يعلمها سوى خالقها عالم السر والنجوى وما يدور داخل الصدور، ومن ثم علم الشخص بنفسه؛ قال عليه الصلاة والسلام 'لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه'.وعندما تخرج النفس البشرية عن مسارها الفطري السليم يجب استدراكها وتوجيهها بأن يضع الإنسان تساؤلا مستداما يوجهه لذاته في كل مرة يريد تقييم نفسه، هل أنا من المطففين معنويا؟ لأنه يعي نيته وما تقره نفسيته ويعرف منطوقه وأسلوبه تجاه الآخرين، والإجابة الراجعة له هي أساس الدين بالمعاملة.Yos123Omar@