الرأي

المسؤولية المجتمعية والخطاب الديني

محمد علي الحسيني
تعد المسؤولية الاجتماعية من الأمور الجوهرية التي يجب أن يأخذها رجال (الدين) بعين الاعتبار عند صياغة خطاباتهم وتوجيهها، فالخطاب الديني لا يجب أن يكون منفصلا عن الواقع الاجتماعي، بل يجب أن يعبر عن هموم الناس ومشاكلهم ومعاناتهم اليومية فضلا عن محل ابتلائهم.

يواجه العديد من رجال (الدين) تحديات كبيرة في فهم واقع المجتمع، مما يؤدي إلى مغالطات في فهمهم أو تبنيهم لأفكار بعيدة عن الحقيقة ولا تلامس الواقع، لذلك لا بد عليهم أن ينزلوا إلى المجتمع، يستمعوا ويشاهدوا كيف تسير الحياة، ليكونوا قادرين على تقديم إجابات صحيحة وفعالة لمشاكل الناس.

تحديات في فهم الواقع الاجتماعي

هناك عقبات كثيرة أمام رجال (الدين) تجعلهم بعيدين عن مجريات الحياة اليومية للمجتمع، قد يشعر البعض منهم بعدم القدرة على التواصل مع الفئات المختلفة من الناس أو عدم الإلمام بحقيقة المشاكل التي يمر بها المجتمع، هذا الفهم الخاطئ يمكن أن يؤدي إلى خطاب ديني لا يعكس الواقع، ومما لا شك فيه أن تعزيز الفهم الحقيقي لا يتطلب فقط المعرفة النظرية، بل يتطلب أيضا تفاعلا مباشرا مع الناس، لذا يجب أن يسعى رجال (الدين) إلى بناء قنوات تواصل مع المجتمع، ولا شك أن التفاعل المباشر مع الأفراد يمكن أن يوفر لهم رؤى عميقة حول مشكلات المجتمع، يمكن خلالها الاستماع إلى تجارب الناس وتأملاتهم في سياق الدين، فالتقرب من المجتمع ومعاينة مشكلاته وفهمها يساعد في تقديم حلول دينية ملائمة للسياق الاجتماعي.

الإسلام دين واقعي يتفهم المعاناة

يتميز الدين الإسلامي بطابعه الواقعي الذي يتفهم معاناة الإنسان والظروف الاجتماعية التي يمر بها الأفراد، لذلك نجد أن القرآن الكريم والسنة النبوية مليئان بالتوجيهات التي تدعو إلى التراحم والتعاطف بين الناس، وقد كان نبينا الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) قريبا من الناس، يستشعر معاناتهم ويقدم لهم الدعم حتى جاء في القرآن الكريم قوله تعالى 'وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق'، لذلك ينبغي على رجال (الدين) أن يتعلموا من هذا النموذج الذي يجسد الروح الإنسانية للدين الإسلامي.

ضرورة تطوير الخطاب الديني وتفعيل المسؤولية الاجتماعية

إن علماء الدين مطالبون بتحديث خطاباتهم لتكون متوافقة مع التغيرات الاجتماعية، فتطوير المحتوى الديني يمكن أن يساعد في مواجهة التحديات الحديثة، إضافة إلى أن توعية المجتمع حول القيم الدينية يجب أن يكون مصمما حسب احتياجات الواقع الحالي.

تعتبر المسؤولية الاجتماعية جزءا لا يتجزأ من الخطاب الديني، فتعزيز القيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية يعد تأكيدا للمبادئ الأساسية في الإسلام، لذلك ينبغي على رجال (الدين) أن يتحدثوا بوضوح عن ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية وتخفيف المعاناة، مما يساعد على تعزيز الروابط بين الدين والمجتمع، فالخطابات التي تغفل ذلك قد تفتقر إلى الفعالية المطلوبة في التأثير الإيجابي على المجتمع، فالمطلوب من علماء الدين تفعيل مختلف المشاريع الاجتماعية، وتشجيع المساعدات الاجتماعية لتخفيف الفقر، إضافة إلى تقديم دروس دينية تعقد في أماكن المجتمع لتعزيز الفهم المشترك، ناهيك عن حملات توعية دينية تعكس التحديات الاجتماعية الحالية.

ختاما، نؤكد على ضرورة أن يتماشى الخطاب الديني مع المسؤولية الاجتماعية لفهم التحديات التي يواجهها المجتمع، يتطلب هذا الأمر من رجال (الدين) الخروج من دائرة العزلة والانخراط مع الناس بشكل فعلي، كما يجب أن يدركوا أهمية تحديث خطابهم ليتناسب مع الواقع المتغير، لضمان وصول رسالة الدين بطريقة فعالة، فربط الدين بالتحديات التي يواجهها المجتمع يعد خطوة مهمة نحو تعزيز التفاهم والإصلاح الاجتماعي.