الرأي

البعد الاستراتيجي والمعرفي لطاجيكستان

زيد الفضيل
كم أنا مسرور بزيارتي لأحد بلدان آسيا الوسطى المهمة، أو كما نقول تاريخيا بلاد ما وراء النهر، جراء مشاركتي في المؤتمر الدولي الذي نظمته وزارة الخارجية في جمهورية طاجيكستان برعاية الأمانة العامة المساعدة للشؤون الثقافية لمنظمة التعاون الإسلامي، وحمل عنوانا معرفيا مهما وهو 'دور العلماء والمفكرين الطاجيك في تنمية الثقافة والحضارة الإسلامية'، وحقا فكم كنت أتوق على الصعيد المعرفي لأن أزور هذه البلاد العظيمة برجالها، والعريقة بتاريخها المعرفي، إذ خرج منها أبرز العلماء المسلمين الذين شكلوا حلقة الوصل الحضارية بين الشرق والغرب، فكانوا همزة وصل ساهمت في بلوغ قطار الحضارة مساره الذي هو عليه اليوم.

من طاجيكستان وبلاد ما وراء النهر خرج أحد أبرز أئمة الفقه الإسلامي وهو الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت، وظهر أحد أبرز أئمة الحديث النبوي الشريف وهو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، علاوة على عديد من العلماء الكشكوليين البارزين من أمثال علي بن سينا، وأبو ريحان البيروني، والخوارزمي، وآخرين كثر.

وفي طاجيكستان وبلاد ما وراء النهر يستشعر الزائر سمات أولئك العلماء في قسمات وجوه أبنائهم المعاصرين، بل وفي تفاصيل حديثهم، كما يستشعر اعتزازهم باللغة العربية بوصفها لغة الدين الحنيف، ولغة الحضارة التي كتب بها أولئك العلماء في شتى الفنون والمعارف، ولعمري فتلك خصيصة يتميز بها أهلنا في طاجيكستان، وحتما في كل بلدان آسيا الوسطى، إذ كم أدهشني اهتمام عديد من مسؤولي الطاجيك وشبابهم باللغة العربية، وكم أبهرني إجادتهم البارعة لها، وليس ذلك بمستغرب على أحفاد أولئك العلماء البارزين الذين رسموا خريطة المعرفة الحضارية في فترة من الزمن.

في هذا السياق أجد من الواجب والمهم أن نهتم في المملكة العربية السعودية بوجه خاص والعالم العربي جملة، بتوثيق الصلات الثقافية والاقتصادية بأهلنا الطاجيك وعموم أهلنا في بلاد ما وراء النهر، وذلك عبر تكثيف البرامج الثقافية المشتركة، وتعزيز المشاريع الاقتصادية الفاعلة، وبخاصة أن أغلب مكونها الإنساني من الشباب المحب للثقافة العربية، إيمانا منهم بأن الثقافة لسان، وإدراكا بأن أفضل الألسن ما اختاره الله لكتابه الكريم، وجعله لسان أفضل أنبيائه سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وعليه كم أرجو أن تتوثق البرامج الثقافية بين السعودية وطاجيكستان ومختلف بلدان آسيا الوسطى، وكم آمل بأن يجد الشباب الطاجيكي فرصتهم للعمل في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي، إذ وعوضا عن كفاءتهم المهنية، فما بيننا وبينهم من تجانس مذهبي ومعرفي يجعل من استقطابهم أولوية في خطط واستراتيجيات التنمية الخليجية.

أشير إلى أن الطاجيك وشعوب بلاد ما وراء النهر قد شكلوا العضد المساند والحامي للمسلمين خلال القرون الوسطى من التاريخ الإسلامي، فكان تواجدهم كثيفا في حواضر البلاد العربية سواء في العراق أو الشام أو مصر، وصولا إلى منطقة الحجاز في المملكة العربية السعودية التي لجأوا إليها مطلع القرن العشرين هربا من التعسف الشيوعي، فكان أن أدى ذلك إلى انصهارهم ضمن المجتمعات العربية تصاهرا وجوارا، ليصبحوا جزءا أصيلا في خارطة المكون المجتمعي، وهو ما يصب في أهمية أن تلتفت المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون لتعزيز تجسير العلاقة مع دول آسيا الوسطى اقتصاديا وثقافيا.

أختم بتقديم جزيل الشكر للأمانة العامة المساعدة للشؤون الثقافية والإنسانية بمنظمة التعاون الإسلامي لاهتمامهم بتوثيق الصلات بين الشعوب المسلمة عبر دعمهم ورعايتهم للعديد من الأنشطة والفعالية المهمة في مختلف البلدان الإسلامية، والشكر موصول بأفضله لحكومة طاجيكستان لتنظيمهم المؤتمر الدولي واستضافتهم لفعالياته بكفاءة جيدة.