الرأي

مؤتمرات عمرانية أم عروض تسويقية!!

وليد الزامل
المؤتمر العمراني هو اجتماع نخبوي يشارك به المتخصصون والعلماء وأصحاب التجارب في محاور محددة ليقدموا أبحاثا علمية، أو أوراق عمل وتجارب حول قضايا عمرانية محددة. تسعى العديد من الوزارات والقطاعات الحكومية إلى تنظيم المؤتمرات لمناقشة أبرز وأحدث القضايا والتجارب العالمية وصولا لتوصيات تحسن من أداء القطاع أو منظومة العمل. وتخضع الأوراق المقدمة إلى إجراءات صارمة، حيث يتم تحكيمها بواسطة لجنة علمية بالتعاون مع الجهات الأكاديمية أو المراكز البحثية وأساتذة الجامعات.

المؤتمرات العلمية تتسم بكونها اجتماعات حيادية، جادة، وعلنية، يتم فيها مناقشة وعرض القضايا الهامة بشفافية عالية وبتأصيل نظري وليس عشوائي. لذلك تمثل المؤتمرات فرصة مهمة للمسؤول لمتابعة آخر ما توصلت له الأبحاث والدراسات ومستوى التقدم في إدارة القطاع والنتائج المتحققة والفجوات والتحديات الحالية وآليات التعامل معها.

اليوم تخطو العديد من الوزارات نحو إقامة مؤتمرات متعلقة بالمدن لتناقش قضايا النقل والإسكان والإدارة الحضرية والتنمية العمرانية. هذه المؤتمرات هامة، لا سيما إذا تم توليفها بمزيج من البحوث الأكاديمية الرصينة وأوراق العمل الجادة التي تعكس التحديات والتجارب العملية في القطاع؛ لتجمع حينها بين التجربة، والممارسة ضمن إطار منهجي.

الغاية من هذه المؤتمرات هي استجلاء المشاكل بحيادية تامة، وتطوير حلول عمرانية خلاقة أو الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة التي تسهم في تحسين القطاع وتنعكس نتائجها على المجتمع. ومع ذلك قد تتحول (بعض) هذه المؤتمرات بشكل أو بآخر إلى مجرد عروض تسويقية للإدارات أو الأقسام أو المراكز التي تعمل تحت إشراف الوزارة أو القطاع، أكثر من كونها تناقش فعليا قضايا حضرية تبرز الفجوات والتحديات في مسار التخطيط أو التجربة العمرانية.

تتأثر المؤتمرات العمرانية سلبا بكثرة هذه العروض ذات الطابع التسويقي، والتي لا تقدم أي قيمة علمية مضافة؛ بل تحكي سردا قصصيا عن الإدارة، وتتناول بإسهاب مبالغ فيه مصطلحات (فخمة) وعبارات (رنانة) وأشكالا (خاوية) بعيدة كل البعد عن إطار القضية أو أهداف المؤتمر.

يتسابق (بعض) أصحاب هذه العروض في الحديث بإسهاب ممزوج بالمبالغة تارة عن الإدارة والجهود المبذولة فيها، وتارة أخرى عن المخرجات التي تم التوصل لها. ترفق هذه العروض بصور ورسومات بيانية وإحصاءات عامة دون الخلوص إلى أي نتيجة ملموسة. إنهم يحرصون على حضور المؤتمرات بهدف التلميع وإعطاء انطباع للمسؤول بوجود نماذج عمل فاعلة للعديد من المشاكل الحضرية. معظم هذه العروض تصاغ بأسلوب تسويقي وأفكار مجردة وبعيدة عن السياق المحلي، حينها تشعر وكأنك تعيش في حياة وردية بلا مشاكل!

من المؤسف حقا أن تستغل (بعض) الإدارات هذه المؤتمرات كمنصات للتسويق العلني أو التلميع الذاتي لتتحدث وتعرض في كل مؤتمر المواضيع نفسها بالقوالب والأنماط نفسها، محاولة إعطاء صورة ذهنية لفكرة عمرانية خلاقة أو تجربة فريدة أو عمل إبداعي خالص لا يمكن محاكاته. والأدهى من ذلك حينما تتوقف إنجازات هذه الأقسام والمراكز على العروض لتصبح وكأنها مركز لإنتاج العروض التسويقية والجهود الذاتية وليست ورقة عمل رصينة.

ختاما، فإن مثل هذه الأعمال أو العروض التسويقية ليس مكانها المؤتمرات العلمية؛ بل يمكن توليفها كتقارير ترسل مباشرة للمسؤول وتخضع لإطار الحوكمة والمساءلة بشفافية للتأكد من مدى تحقيقها أهداف الإدارة والقطاع.