حتى في اليابان يتغيب الطلاب عن المدارس
الأربعاء / 1 / ربيع الأول / 1446 هـ - 10:26 - الأربعاء 4 سبتمبر 2024 10:26
من المسلم به عقليا أننا لسنا بمنأى عن العالم، وأن ما يواجهنا من تحديات في مجتمعاتنا وتعليمنا هو امتداد لتحديات ومشاكل تواجه العالم بأسره، وإن اختلفت الأسباب والمسببات، ولأن لكل شعب ومجتمع ثقافته وتقاليده فسوف تتباين وجهات النظر في طرق التعامل مع هذه التحديات والمشاكل.ومن بين هذه التحديات التي تواجه الأنظمة التعليمية في العالم: ظاهرة غياب الطلاب عن المدارس، وخاصة بعد وباء كورونا، فما مدى انتشار هذه الظاهرة وكيف تصدت بعض الأنظمة التعليمية لها؟في الولايات المتحدة الأمريكية كشف تقرير لصحيفة 'نيويورك تايمز' الأمريكية، عن 'انفجار' في حالات تغيب الطلبة عن المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية رغم خروجها من الأسباب الموجبة التي رافقت جائحة 'كوفيد-19، فعلى الصعيد الوطني تم اعتبار ما يقدر بنحو 26% من طلبة المدارس العامة غائبين بشكل مزمن، حيث يتم تعريف الغياب المزمن عادة على أنه فقدان ما لا يقل عن 10% من العام الدراسي، أو حوالي 18 يوما، لأي سبب من الأسباب.وفي بريطانيا تشير التقارير إلى اتجاه متزايد بين الأهالي للسماح لأطفالهم بالتغيب خلال الفصل الدراسي في فترة ما بعد الجائحة، مما يدل على أن هذه الظاهرة أصبحت مقبولة اجتماعيا.وتدل الإحصاءات الصادرة عن جهات حكومية على أن نسبة كبيرة تربو عن الخمس، أي ما يعادل 20% من الطلاب في إنجلترا، كانوا يغيبون بشكل مستمر، ولم يحضروا على الأقل 10% من الحصص الدراسية خلال العام الأكاديمي 2022 / 2023، وهو معدل يتجاوز بشكل كبير النسبة المسجلة قبل الجائحة، والتي بلغت 11% في العام الأكاديمي 2018 / 2019.وفي اليابان ازداد عدد الأطفال الذين يرفضون الذهاب إلى المدرسة بمعدل مثير للقلق، في ظاهرة معروفة باسم فوتوكو (futoko)، حيث زاد عدد الأطفال الذين يتغيبون عن المدرسة لأكثر من 30 يوما لأسباب غير مرتبطة بالصحة أو الوضع المالي، ووفقا للدراسة الاستقصائية الأخيرة التي أجرتها وزارة التعليم اليابانية (MEXT) في 2022، يندرج أكثر من 244 ألف طالب من المدارس الابتدائية والمتوسطة في اليابان في هذه الفئة، ويواجهون صعوبات في الذهاب إلى المدرسة، إذ ارتفعت معدلات التغيب عن المدرسة في جميع أنحاء البلاد في السنوات التسع الماضية بمقدار 3.6 أضعاف بين طلاب المدارس الابتدائية و1.7 ضعف بين طلاب المدارس الإعدادية مقارنة بالعقد المنصرم.وإذا ما أردنا الحديث عن جهود تلك الدول في معالجة هذه الظاهرة (غياب الطلاب عن المدارس) لعلنا نستسقي منها بعض الفوائد في طريقة تعاملهم مع هذه المشكلة، فنجد أن في أمريكا تتنوع البرامج التي تسعى للحد من ظاهرة الغياب ما بين برامج معتمدة على المدرسة وبرامج قائمة على المجتمع وبرامج تدريب الوالدين والعلاج الأسري، وبرامج قائمة على المحاكم باعتبارها مؤسسة اجتماعية حقوقية تعمل على تصحيح المسار قبل الوقوع في الخطأ.وبالتالي تحاول أكثر من جهة التصدي لهذه الظاهرة، وبمشاركة جميع من له علاقة بالمشكلة في تعاون مجتمعي ومشاركة أسرية وتطبيق نهج شامل من حوافز وعقوبات وبسياق مجتمعي عام يدعم كل هذه التوجهات.وفي المملكة المتحدة تحاول الحكومة توضيح كل ما يتعلق بالغياب وطريقة التعامل فيه بين المدرسة والطلاب، وكأنه عقد مبرم بين الطرفين من خلال إصدار دليل كامل ومتكامل لأولياء أمور الطلاب، يوضح لهم الإجراءات اللازم اتبعاها عند غياب الطلاب، وتصنيف الأسباب المختلفة للغياب وإعلام الطلاب بها، وذلك ليتمكنوا من معرفة أي الأسباب تعتبر عذرا مقبولا وأيهما يعتبر عذرا غير مقبول، مع اتخاذ إجراءات رادعة للطلاب الذين تتجاوز نسب غيابهم الحد المسموح به، تصل لدرجة الحرمان من دخول الاختبار، وتوضيح الإجراءات التي على الطلاب الخضوع لها عند تجاوزهم نسبة الغياب المسموح بها.ولأن اليابان دائما ما تفكر خارج الصندوق في معالجة مشكلاتها، فلقد أقرت الحكومة اليابانية قانونا جديدا حول التعليم لمعالجة تفاقم التسرب، ودخل حيز التنفيذ في 2016.وينص القانون على مسؤولية الهيئات الحكومية الوطنية والمحلية عن تأمين الفرص التعليمية خارج المدرسة لمعالجة مشكلة التغيب، حيث بوسع مديري المدارس بموجب هذا القانون احتساب مشاركة الطلاب في منشآت خاصة تستوفي معايير محددة حضورا مدرسيا. مثل 'المدارس المجانية' التي يديرها أفراد ومؤسسات خاصة تعمل بالشراكة مع المدارس التقليدية.بالإضافة إلى إنشاء نادي سينما الأطفال في أويدا، وهو مشروع تعاوني أطلقته 3 مؤسسات غير ربحية في 2020 يستخدم إمكانات دار سينما عمرها 100 عام لتقديم عروض مجانية للطلاب من جميع الأعمار، وتعتبر من يحضر للمشاهدة أنه حضر إلى المدرسة ولم يتغيب عنها.هذه لمحة سريعة وموجزة عن انتشار هذه الظاهرة في دول العالم وبيان طريقة معالجتها في أكثر من نظام تعليمي، ونحن على يقين بأن نجاح العلاج في دولة ما لا يعني بالضرورة نجاحه في دولة أخرى، ولكننا نجزم بأن الإصلاح التعليمي وحده لا يكفي لنهضة المجتمعات والتغلب على مشاكله، فلا بد من تعاون مجتمعي من مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع والأفراد حتى يمكن أن ينجح التعليم.