الرأي

نصر الله وشهداؤه ومواعيد الجحيم

خالد العويجان
الوسطاء تسابقوا على القاهرة، والشقيقة الصغرى الدوحة. وكل حمل ملفاته الخاصة.ولا مصالح ضيقة في الحقائب السوداء، الهدف واحد والعنوان اتفق عليه للجميع، وصاحب الكلمة العليا جاء من واشنطن على عجل، له حساباته الخاصة.يريد الأمريكي أن يجير للإدارة الحالية، لملمة جراح غزة. يسعى جو بايدن لدخول التاريخ وهو على أعتاب أبواب البيت الأبيض مغادرا إلى غير رجعة، ويحاول الوقوف حجر عثرة أمام الرئيس المرتقب دونالد ترامب، الذي يتربص بالديمقراطيين. فكما هو معروف أن جزءا من وجبة 'الصقور' من الجمهوريين، يقوم على المناكفات الحزبية، وفضح وتقزيم الخصوم.ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ بات يجيد الرقص على عواطف أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس. يرى أن 200 أسير رقم سهل إلى أبعد حد، مقابل قتل أكثر من 40 ألف فلسطيني، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال والشيوخ.ويجد ذاك المتعجرف أن مفرقعات حماس وحزب الله الإرهابي في لبنان، لا تساوي تدمير غزة عن بكرة أبيها.تقول وكالة بلومبيرغ في تقرير لها مطلع الأسبوع المنصرم، 'إن الحطام الذي خلفته الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، يكفي لملء خط من الشاحنات بطول الطريق من نيويورك إلى سنغافورة، ويستغرق سنوات عدة'.ولم تتوقف الوكالة عند هذا الحد، بل قدرت تكاليف إعادة إعمار القطاع بما يقارب 80 مليار دولار'!السؤال؛ من يتحمل تبعات تلك المقامرات؟ ومن يمكنه علاج حالة اليتم والتشريد التي تسببت بها تلك الحرب لأبناء القطاع؟ من قد يتكفل بدفع تلك الفاتورة من الناحية المادية؟ إيران الغارقة في جروح كسر هيبتها عقب أن مسحت كرامتها بالأرض؟ طبعا لا، أم حزب الله الذي دخل تلك الحرب ليس من أجل الفلسطينيين، إنما تنفيذا لأجندة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي استغلت ملف القضية.ربما يكون الحوثي في اليمن. لن يوفر المال هذا الأرعن. ربما يعمد على دفع تلك الكلفة بالقات، هذا إذا استفاق من غيبوبته.سألج إلى صلب موضوعي هذا الأسبوع؛ إنما لا يمكن نبش كل تلك الأفكار، دون أن يأتي ذكر يحيى السنوار الذي تبوأ منصب رئيس حركة حماس، بعد مصرع اسماعيل هنية.والسنوار هو مهندس ما يعرف بعملية طوفان الأقصى التي اندلعت أكتوبر الماضي، وأدت بالأمور إلى ما آلت إليه.وكما يشاع عنه فهو أحد رجالات إيران، وعلى الدوام كان مرحبا بالأفكار الإيرانية، عكس أبو العبد - هنية - الذي كان يعمل من أجل الحركة - أي حماس - دون رغبة منه بالسير على الخطط الإيرانية التي تسعى في نهاية المطاف إلى الحصول على أكبر قدر من المكاسب، بذريعة القضية الفلسطينية.هذا ما يقال، والعهدة على الرواة. بالمناسبة فقد تغيرت لغة خطاب حزب الله تجاه السنوار، إذ باتت تصفه دوائر الميليشيا بأنه بالمتسبب بتوريط محور الممانعة في الحرب الدائرة.وهو أيضا - أي السنوار - رجل إسرائيل الأول، كيف؟ نتيجة ما يعرف عنه من شراسة ضد إسرائيل؛ لا تقبل أنصاف الحلول، بقدر ما تفترض حمل السلاح بكل الأحوال.هو في المحصلة رجل حرب يجيد الدخول لها، ويصعب عليه الخروج منها. وما يحدث في غزة خير شاهد على تعنته، هذا أولا.ثانيا: يعرف عنه أنه لا يجيد لغة التفاوض والجلوس على الطاولة، لذا يحضر وفد حركة حماس للمفاوضات على الدوام بلا مخالب ولا أنياب.وهذا ما يمنح الفرصة لتل أبيب لأن تتعامل معه كعدو وليس كغريم سياسي، وذلك ما قاد نتنياهو لعرقلة جميع الأفكار المطروحة، التي قد تؤدي إلى نهاية الحرب، تارة تحت ذريعة الأسرى، وأخرى لرغبة تل أبيب في فرض سيطرتها الأمنية على محور فيلادلفيا؛ بسبب أنه تحول لمعبر سلاح تستفيد منه حماس، وهو ما تعارضه القاهرة، من منطلق رفض أي تواجد عسكري إسرائيلي.وذلك المحور لا تتجاوز مساحته 14 كيلو، وبعض مئات الأمتار، ويربط مصر بغزة، ويعد منطقة عازلة خاضعة لاتفاقية كامب ديفيد المبرمة عام 1979م.الأمر معقد، والحديث عنه يكلف مقالات، لذا سأعود لصلب فكرتي؛ التي عنونتها بوجود اسم سماحة السيد حسن نصر الله قدس الله سره، وأقول إن فكرة نعت الكروت المحروقة في حرب شكلها وأصلها غير محسوبي التبعات، بالشهداء، من أفكار الشيطان، الذي يعمد على مصادرة العقول وحرية الذهنية الإنسانية بكل المقاييس.ووصف تلك الأدوات بالشهداء خديعة كبرى تعمتد على عدة ركائز، ما هي؟ أولا: إضفاء شيء من الغطاء الديني على الحرب والمحارب.ثانيا: اقناع الضحايا وأسرهم، بشكل مبطن، بمشروعية الموت.ثالثا: تبرير المشروع الإيراني التوسعي، عابر الخرائط.والإشكال أن ذلك أمر تعزز له عديد من وسائل الإعلام، التي تلجأ لاستخدام ذلك المصطلح الذي لا يمكن أن يكون في موضعه الصحيح، إلا في حالة التضحية من أجل حماية العرض والوطن، وغير ذلك يدخل في خانة تعظيم الأقزام والمرتزقة المأجورين.إن التذاكي الذي تمارسه بعض الفضائيات والمنصات الإعلامية، طبقا لمنهجية طهران - نصر الله، عملية مكشوفة، تعتمد على تكتيكات مخادعة عاطفة الجماهير، التي لا ترى بعينها إلا شخصا واحدا، وبلغت تقديس خطابه الطائفي المقيت، وذهبت ضحية تأجيجه لمشاعر ملايين الأغبياء والمغفلين، ممن قدموا فلذات أكبادهم لتكريس كذبة كبرى، عنوانها 'المقاومة'.تلك شريحة تعيش تحت وطأة القدسية. تعتقد أن أبا هادي يملك جميع الحلول، بما في ذلك الثواب والعقاب.لقد تمكن نصر الله من اقناع قواعده الشعبية، بمبدأ عيشوا أمواتا، أو موتوا أحياء.خدعهم بالشهادة ومفاتيح المغفرة المؤدية للجنة.. بينما له موعد مع شهدائه في الجحيم. إلى جهنم وبئس المصير.