الرأي

هل المدرسة موجودة في المستقبل؟

عمر العمري
المدرسة بصورتها الحالية ليست موجودة في المستقبل، والسؤال الأكثر أهمية هل المدرسة ستكفي لمواجهة تحديات المستقبل؟ هذه الأسئلة وغيرها هي جدلية وتشغل ذهن الكثير من الخبراء والمختصين في مجالات التربية والتعليم وتناقش على نطاق واسع في البحوث والدراسات المستقبلية.السبب برأيي يعود إلى ما نشاهده اليوم من اتساع الفجوة بين المدرسة وواقعها الحالي مقارنة مع ما يعيشه الطالب في حياته اليومية، وبطء تطور هذه المدارس في داخلها مقارنة بهذا الفضاء المفتوح والتطور التقني والانفجار المعرفي وسرعة الاتصال وتبادل المعلومات والذكاء الاصطناعي الذي اختصر الكثير من العمليات العقلية المعقدة، وسيعيد تشكيل الكثير من المناهج والمقررات الدراسية ويضفي عليها عنصري التجديد والمرونة، وألعاب الفيديو المتغيرة والمتجددة والمليئة بالحماس والمغامرات التي يعيشها الطالب، وتشكل جزءا من تعاملاته اليومية والترفيهية والمستوى المعيشي من نظافة وخدمات وجودة الأكل التي يحصل عليها خارج أسوار المدرسة، هذه المدرسة التي أصحبت محصورة بين الكرسي والطاولة وفصول مكتظة بالطلاب تقارب 50 طالبا وربما أكثر، دون احترام لحدود الطالب الفيزيائية، وطرق ما زالت قديمة وفيها الكثير من الملل في تناول الدروس والشروحات، وغياب الأنشطة والمهارات اليدوية والحرفية والفنية والثقافية والتنوع الرياضي، وبالتالي كيف ممكن أن تجابه هذه المدارس الفقيرة في الإمكانات والقدرات والكفاءات الواعية على إدارة ذلك، ناهيك عن مشاكل التنمر والاستقواء والمرافق المتهالكة ومستوى النظافة والمقصف المدرسي وسوء الوجبة طعما وقيمة صحية ومادية في أجواء أقل ما يقال عنها أنها تعيسة، وصعوبة المواصلات أو الظروف المادية لدى بعض الأسر، ودرجات الحرارة العالية في فترات الصيف، وطول العام الدراسي، وبالتالي قد يكون الغياب أحد الخيارات التي يتخذها الطالب، وهي ظاهرة عالمية في عدد كبير من الدول حتى المتقدمة منها.على المدرسة أن تخرج من وضعها الحالي الضيق إلى فضاءات أرحب، محاولة بناء مناهج ومقررات دراسية على أسس معرفية فقط وملاحقة ما هو جديد من المعارف والمعلومات ليس بتلك الجدوى في المستقبل القريب، لأن المعارف والمعلومات تتغير وتتجدد وتتضاعف بشكل لحظي وتصبح قديمة وليست ذات جدوى، وبالتالي على المدرسة أن تنتقل من دورها الكلاسيكي في نقل المعارف والتراث إلى أضيق الحدود وزيادة تعليم أبنائنا المهارات الحياتية والاجتماعية التي تمكن الفرد من التعامل بفاعلية واستعداد أكبر مع تحديات الحياة اليومية والمستقبلية، واتخاذ القرارات السليمة، وبناء علاقات اجتماعية صحية، ولذلك فإن تدريس هذه المهارات في المدارس يكتسب أهمية بالغة في التحضير للحياة المستقبلية لدى الأجيال القادمة، حيث تكسبهم الكثير من مهارات إدارة الوقت والمال، وحل المشكلات وتعزيز الصحة النفسية والاجتماعية للطلاب، وتعلمهم كيفية التعامل مع الضغوطات وإدارة العواطف ومهارات التفكير الناقد وغيره، وبناء الثقة بالنفس، وتعزز لديهم الانتماء الوطني والمشاركة بفاعلية في المجتمع واحترام الآخرين والأنظمة والقوانين، والتكيف مع بيئات العمل المتغيرة، والعمل بفعالية بروح الفريق، بالتالي المساهمة في تطوير أوطانهم وتنميتها وازدهارها.المدرسة ستبقى وستكون موجودة في المستقبل لكن بصورة مغايرة ومختلفة عن صورتها الحالية، وستشهد تحولات جذرية بفضل الذكاء الاصطناعي، سرعة التغير تعود إلى سرعة الوعي والإدراك لدى المجتمع بما سنكون عليه وما نحتاجه في المستقبل القريب، ومدى انعكاسات ذلك على القيادات والإدارات التربوية في الحاجة إلى وجود مدارس تتعامل مع هذا المستقبل الجديد.هذه المدارس ستركز على تطوير المهارات الفكرية والحياتية وفق مناهج مرنة ومتجددة، وعلى تعليم الطلاب كيفية التعلم، وليس فقط حشوهم بالمعلومات، وبالتالي تمكن الطلاب من التعلم مدى الحياة والتكيف مع التغيرات المستمرة وكيفية زيادة سرعة النضج والوعي لديهم، وترسيخ القيم الإنسانية والأخلاقية وفق منظومة قيم تضمن التعايش والتسامح واحترام حدود الآخرين وتعزز جودة الحياة بين الأفراد دخل المجتمع الواحد، بحيث تصبح درعا حصينا لهم في مستقبل أيامهم، خاصة في ظل تحولات فكرية وثقافية واجتماعية يمر بها العالم في الوقت الحالي، ومحاولة الأصول إلى الاستثمار الأمثل في مستقبل الطلاب وبناء أجيال قادرة على مواجهة تحديات هذا المستقبل، والمساهمة بفاعلية أكبر في بناء مجتمعات تهتم بالإنسان أكثر وقدراته ومهارته وجودة الحياة لديه الشخصية والاجتماعية والعملية.وهنا أقترح إنشاء مدرسة نموذجية في كل حي تحاكي هذا المستقبل بمناهج مرنة متجددة تركز بنسبة كبيرة منها على المهارات الحياتية والاجتماعية لدى الطلاب واستخدامات الذكاء الاصطناعي، ومهارات التفكير وزيادة سرعة النضج والوعي لديهم، في بيئة مدرسية ذات جودة عالية وصحية، وأفضل الممارسات التربوية والنفسية وفق دراسات عملية وبحثية رصينة مستمرة ومتطورة، لتكون نواة وتجربة تعليمية قائمة تعمم في المستقبل القريب على المدارس كافة.3OMRAL3MRI@