ثقافة العمل الجماعي: هل تمثل البوصلة الأساسية لنجاح الجهود المؤسسية؟
الاحد / 21 / صفر / 1446 هـ - 18:33 - الاحد 25 أغسطس 2024 18:33
لقد تطور الفكر الإداري بشكل ملحوظ، وأصبح العمل الجماعي أحد الركائز الأساسية لنجاح الجهود المؤسسية وتحقيق الأهداف الاستراتيجية، حين أثبتت الممارسات التطبيقية ومؤشرات الأداء في مختلف المؤسسات فشل المدرسة الكلاسيكية في الإدارة، تلك المدرسة التي تعظم من الأدوار الفردية وتعطي أولية للرقابة الصارمة الحادة، وفي ظل اتساع نطاق عمل المؤسسات وتعدد العوامل المؤثرة في الأداء المؤسسي وتشابكها بشكل واضح ظهرت 'نظرية النظم' كإحدى أهم النظريات الحديثة التي تؤكد في متغيراتها على أهمية العمل الجماعي، إذ تنظر النظرية إلى المؤسسات نظرة كلية، وتؤكد على أهمية دراسة جميع المتغيرات التنظيمية، معتبرة أن المنظمات بمثابة وحدة واحدة وكيان متكامل وليست مجموعة من العناصر المنفصلة، وإنما تترابط أجزاؤها بعلاقات تبادلية في ظل نظام تفاعلي يعمل على تحقيق أهداف المنظمة.أثبتت البحوث والدراسات أن العمل الجماعي في عصرنا الحالي هو أحد أهم ركائز النجاح، حيث يعزز من كفاءة وجودة العمل؛ لأنه نتاج تشاركي لأفراد تتباين مهاراتهم وربما تخصصاتهم، ومع توفر إمكانية توزيع المهام والمسؤوليات، فإن العمل الجماعي يسهم بشكل حاسم في إنجاز المشاريع بسرعة، إضافة إلى أنه يعزز القدرة على حل المشكلات، حيث أدرك أصحاب الأعمال سواء كانوا من القطاع الخاص أو حتى العام حقيقة أن العمل الجماعي هو أنجع وأقصر الطرق للوصول إلى الأهداف، لذلك أصبحت القدرة على العمل ضمن فريق من أهم شروط التوظيف، وصار لزاما على الباحثين عن النجاح الوظيفي امتلاك مهارات العمل الجماعي التي من أهمها العمل على فهم الأهداف والالتزام بتحقيقها، والقدرة على التواصل الجيد مع الزملاء والاستفادة من خبراتهم وقدراتهم لتطوير الذات، وحل المشكلات والاختلافات بالشكل الذي يحافظ على روح المجموعة.لقد بات نجاح المؤسسات مرهونا بهذه المتغيرات: الدافعية، التحفيز، المشاركة في صنع القرارات، وضوح الهدف، انسياب المعلومات، الاتصالات الفعالة، الاحترام والتقدير، التطوير والإبداع، إذ إن هذه المتغيرات رغم التأكيد على أهميتها وثبوت فعاليتها تظل مرهونة بمتغير حاكم آخر وهو 'العمل الجماعي'.الأمثلة على ذلك عديدة ومتنوعة، وليس أدل على أهمية العمل الجماعي من 'النموذج الياباني'، حيث نجحت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية بفضل ثقافة العمل الجماعي، 'نظرية Z' التي تعرف بالنموذج الياباني في الإدارة، والتي وضعها وليام أوشي وهي أساس نجاح اليابان، إذ يؤكد هذا النموذج على أهمية الاهتمام بالعنصر البشري والعمل في إطار فرق عمل متماسكة.ومع التسليم بأهمية العمل الجماعي، يجب التذكير بأن بناء فرق العمل وإدارتها بشكل ناجح يتطلب دراسة وتركيزا على أحدث النظم المعمول بها، وفي هذا السياق يقدم لنا البروفوسير ديب جرونفيلد Deb Gruenfeld، الأستاذ بكلية إدارة الأعمال في جامعة ستانفورد خمس نصائح تعبر عن الأساليب الإدارية الحديثة في إدارة المجموعات وفرق العمل وهي:أولا: التأكيد على بناء فريق العمل وفق النتائج التي نأمل في تحقيقها وليس بناء على من أحب العمل معه وكيف يمكنني الحصول على أكبر عدد من النجوم.ثانيا: ضرورة وضع التنوع والتسلسل الهرمي في الاعتبار عند اتخاذ القرارات حول كيفية تصميم الفرق لأغراض مختلفة، يجب التأكد من وضع أصحاب الخبرة والكفاءة مع الشباب لأكثر حماسا.ثالثا: الانفتاح والشفافية وضمان مستويات جيدة من الأمان النفسي تسمح بمشاركة وجهات النظر والنقاش وطرح الأسئلة ووجهات النظر البديلة دون ادعاء أصحاب الخبرة بأن لهم اليد العليا في القرار.رابعا: إدارة أي صراع conflict management بذكاء وفعالية.خامسا: إدارة المشاعر والتعاطف بفعالية، لذا فإن القائد الناجح هو الذي يجعل الفريق أكثر ترابطا ويعمل على خلق حوافز ودافعية للإنجاز وتحقيق الأهداف.ومع نجاح العديد من المؤسسات بفضل إدارة وتخطيط العمل الجماعي بشكل علمي ودقيق، زادت الإسهامات البحثية التي تحمل مؤشرات إمبريقية والتي تمثل في حد ذاتها خريطة وبوصلة لدعم ثقافة العمل الجماعي وتجنب إشكالياته التطبيقية.ومع ذلك حتى أكثر الفرق والنظم الإدارية تطورا يمكن أن تعاني من تحديات كبيرة تعرقل تقدمها وتؤدي إلى إخفاقها في تحقيق الأهداف المرجوة.هذه التحديات غالبا ما تكون ناتجة عن أخطاء في الممارسة، إذ توجد خمس إشكاليات أساسية على المؤسسات والمنظمات النظر إليها بدقة، والتعامل معها بحكمة حتى لا تتأثر ثقافة العمل الجماعي بشكل سلبي، هذه التحديات هي:
- غياب الثقة، تظل الثقة هي العنصر الأهم في بناء فريق عمل متماسك، ودون وجود ثقة متبادلة بين أعضاء الفريق، يصبح من الصعب تبادل الأفكار والمعلومات بشكل صريح.
- الخوف من الصراع، لا شك أن النقاشات الصحية هي مفتاح الإبداع في بيئة العمل، ويعتبر الصراع البناء أمرا طبيعيا وصحيا، فهو يساهم في تحفيز التفكير الإبداعي واتخاذ قرارات أكثر فعالية، لكن عندما يخشى أعضاء الفريق من الدخول في صراعات أو نقاشات حادة، فإنهم يميلون إلى تجنبها، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة أو ضعف في الأداء.
- نقص الالتزام، اللامبالاة، حيث إنها تهدد تحقيق الأهداف، فعندما يفتقر أعضاء الفريق إلى الالتزام بالقرارات المتخذة، يصبح من الصعب تحقيق الأهداف المشتركة، يمكن أن يكون هذا النقص في الالتزام ناتجا عن عدم وضوح الأهداف أو غياب الشعور بالمسؤولية الجماعية.
- تجنب المساءلة، المساءلة هي العمود الفقري لأي فريق ناجح، دونها يمكن أن يتراجع الأداء الفردي والجماعي على حد سواء.
- التركيز على الأنشطة بدلا من النتائج، وهو ما يمكن أن نطلق عليه فقدان الرؤية الشاملة، في بعض الأحيان ينشغل أعضاء الفريق بالأنشطة اليومية دون التفكير في النتائج النهائية التي يسعون لتحقيقها، هذا التركيز المفرط على التفاصيل يمكن أن يؤدي إلى تشتت الجهود وفقدان الاتجاه.