الرأي

القوة الناعمة للسعودية تبرز في استثماراتها الناجحة الداعمة لرياضة الملاكمة

فيصل الشمري
تعرف القوة الناعمة لأي دولة بقدرة هذه الدولة على إقناع وليس إرغام الغير للقيام بأعمال جيدة تساهم في رفاهية الجميع عن طريق المشاركة في عمل ما في مجال العلاقات الدولية. ولدى المملكة العربية السعودية مقومات القوة الناعمة وخصائص القوة الصلبة التقليدية. ويشار للقوة الناعمة إلى أنها سياسة القدرة على الاجتذاب ما بين الدول في مسار السياسة الدولية. يمكن الإقرار بأن السعودية قدمت النموذج الأمثل لكيف تقوم دولة ما باستخدام وتطبيق سياسة القوة الناعمة، وتتضح أهمية هذا المفهوم جليا لو تم النظر إلى الدور المتصاعد للمملكة والزيادة المضطردة لدورها الناشط في جميع التعاملات الدولية.

تكسب مؤهلات القوة الناعمة للسعودية تقدير الرأي العام العالمي. قوة السعودية الدولية تجعل العالم مزدهرا. والمضمون لهذا هو أن معظم الدول تسعى إلى ترقية مصالحها فقط عندما تستخدم قواها الناعمة، لكن السعودية لا تفعل هذا لأنها لا تركز على مصالحها فقط عندما تستخدم قوتها الناعمة بل هي تعمل على استفادة الغير من هذه القوة، سواء كانوا دولا أو مجتمعات أو جماعات أو أشخاصا. هذا ما تعلنه وتطبقه السعودية عند تفعيلها قوتها الناعمة.

يمثل قيام السعودية بتقديم العون والدعم لرياضة الملاكمة نموذجا ناجحا لكيف تستطيع دولة ممارسة سياسة القوة الناعمة. يجب الإقرار بأن صناعة رياضة الملاكمة عانت انخفاضا كبيرا في شعبيتها في السنوات الماضية لعدة أسباب. أول سبب هو مواجهتها منافسة قوية جراء تزايد شعبية العديد من الرياضات الأخرى، وبالذات الرياضة المعروفة باسم فنون القتال المختلطة، وعلى وجه الخصوص بطولة القتال النهائي. ويتابع العديد من المشاهدين هذه الرياضات على حساب رياضة الملاكمة. وتفتقد رياضة الملاكمة حاليا لوجود نجوم لهم جاذبية. لقد ذهبت أيام وأمجاد أبطال الملاكمة أمثال محمد علي كلاي ومايك تايسون وأسماء أخرى كانت مشهورة في هذه الرياضة.

كما تعرض الشاشة المرئية مباريات الملاكمة لعدد محدود من المشاهدين عن طريق النظام المعروف باسم المشاهدة حسب الدفع. ومعنى هذا أن الذين يشاهدون مباريات الملاكمة هم فقط من يقدرون على دفع مبالغ كثيرة لمتابعة سباقات هذه الرياضة. كما تزداد الانتقادات لرياضة الملاكمة كونها رياضة عنيفة وتصيب من يمارسها بجروح خطيرة؛ وتلك أمور لا تحبب العديد من المشاهدين في متابعة رياضة الملاكمة. بل إن هناك أنواعا جديدة من الملاكمة أصبحت أكثر عنفا مثل التلاكم دون ارتداء اللاعبين قفازات، وبالطبع هذا ينفر الكثير من مشاهدة ومتابعة رياضة الملاكمة. ولا توجد مباريات مثيرة يتابعها الإعلام بشغف وتشوق في الوقت الحالي أو في المستقبل القريب. وتفتقر رياضة الملاكمة إلى دعاية جيدة أو طرق تسويق ناجحة، بل إن هناك عدم تنسيق ما بين الوكالات التي تروج لهذه الرياضة. وعلى الرغم من هذه الانتكاسات إلا أن رياضة الملاكمة ما زالت تتمتع بشعبية وحماس بالغ وعشق شديد في كل أنحاء العالم.

طرحت حكومة المملكة العربية السعودية رؤية تنظيمية لرياضة الملاكمة عن طريق إقامة رابطة واحدة لتوحيد ولتدعيم كل أنشطة لعبة الملاكمة. وستتضمن هذه الهيكلية الجديدة إنشاء فئات عدة لتصنيف اللاعبين. وسوف يؤدي هذا إلى تنظيم المسابقات والمنافسات بصورة أفضل. وسوف تكون هذه الرابطة وسيلة لتجميع أكبر عدد من اللاعبين، كما ستقدم الرعاية إلى الملاكمين من الناشئين الطموحين. وسوف تتغلب هذه الرابطة على كل المشاكل المالية التي طالما عانت منها رياضة الملاكمة، وسوف تتولى هذه الرابطة توزيع أرباح مسابقات رياضة الملاكمة بطريقة عادلة ولمصلحة كل من شارك في إعداد وتنظيم أي منافسة، وستنجح هذه الرابطة في الإعداد الجيد لجدول وبرنامج الأحداث المختلفة للملاكمة على مدار كل عام.

من المتوقع أن تنجح السعودية في إعادة تنظيم وإحياء صناعة رياضة الملاكمة. ويعتبر هذا استمرارا للسياسات الناجحة والممتازة التي تنتهجها المملكة في مساندة ورعاية العديد من الرياضات، مثل لعبة الجولف وكرة القدم بل حتى لعبة الكريكت.

وسيتم تمويل مشروع رعاية السعودية لرياضة الملاكمة عن طريق صندوق الثروة السيادية التابع للمملكة، والمعروف باسم صندوق الاستثمارات العامة. ويقدر معدل الاستثمار الأولي بمبلغ 2 مليار دولار أمريكي.

وسيكون الهيكل التنظيمي لرابطة الملاكمة الجديدة مكونا من 12 مجموعة، وتضم كل مجموعة وزنا معينا من أوزان لعبة الملاكمة، وكل وزن سيضم من ناحيته اللاعبين المهيئين لعضويته.

وحتى الآن التحق بالرابطة 200 من الملاكمين، وهم من خيرة الملاكمين في العالم. وهذا التشكيل الإداري للرابطة معناه أن كل وزن سوف يضم حوالي 15 ملاكما، وبالطبع سوف يزداد هذا العدد مع زيادة عضوية الملاكمين. وفي إشادة بهذا المجهود السعودي الطيب، علقت صحيفة النيويورك تايمز قائلة 'في محور هذا المجهود لإعادة تنظيم رياضة الملاكمة يبرز اسم السيد تركي آل الشيخ الذي ذكر في مقابلة أجرتها معه قناة إي إس بي إن الرياضية أنه يسعى إلى إصلاح هذه الرياضة التي فقدت الكثير من الجودة'.

يتلقى العالم كله دروسا من المملكة العربية السعودية في كيف تستطيع دولة القيام بتحول استراتيجي من قوة تقليدية إلى قوة ناعمة. هذا أيضا يعلم الدنيا بأسرها عن التحول التاريخي والمذهل الذي يتم حاليا في المملكة من ناحية السياسة الخارجية ومن ناحية السياسة الداخلية. إن سياسة السعودية عندما تستخدم قوتها الناعمة تكمن في عملها بكل إخلاص في تمكين الحكومات الأجنبية وهيئات القطاع الخاص في بلدان أخرى في الاستفادة من ممارسة السعودية دبلوماسية القوة الناعمة. وفيما يتعلق بتنظيم المملكة رياضة الملاكمة على المستوى الدولي، فمن المؤكد أن شعبية هذه اللعبة سوف تزداد بحجم كبير في كل أنحاء العالم. قوة السعودية الناعمة تعيد تعريف أسلوب التنافس الدولي في عالمنا المعاصر، والذي أصبح شغوفا بالصراع من بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية على الهيمنة الدولية. وفي نهاية المطاف، إن كل ظواهر العولمة وثورة المعلومات وغيرها من الظواهر تشهد بأن المملكة العربية السعودية هي المثال الناجح لكيف تكون سياسات القوة الناعمة لدولة ما خيرا للبشرية جمعاء.