لماذا لا يتزوج الشباب؟
الثلاثاء / 9 / صفر / 1446 هـ - 17:28 - الثلاثاء 13 أغسطس 2024 17:28
عمره 40 عاما لكنه يخطب رسميا لأول مرة... بالرغم من النجاحات المهنية والمكتسبات الشخصية، وبعد محاولات فاشلة وسنوات من التأجيل قرر أن يتخذ خطوة الزواج راضخا للضغوط.هو ممن يؤمنون بأن الزواج لا يرتبط بمرحلة عمرية محددة، بل هو قرار حيوي يستند إلى فرص إيجاد شريكة مناسبة تتوافق بميولها مع القيم الشخصية والأهداف. عقلها الراجح أولا ثم الأفضل أن تكون بيضاء بشعر طويل وخصر نحيل وثلاثينية جادة.أسباب تأخر الزواج أكبر من محاولات تبرير الأسباب وإيجاد المسببات، التساؤل موجه للشباب دونا عن الشابات.. لماذا؟ لأن الشاب هو المبادر والبادئ والعائل، وهناك تغير واضح في الاتجاهات الاجتماعية وتعديلات في المفاهيم حول العلاقات في مؤسسة الزواج، وهناك تحول في الأدوار التقليدية بشكل أعاد تقييم مفهوم الزواج ليصبح شراكة مبنية على المساواة والتفاهم المتبادل بدلا من الانصياع لمتطلبات تقليدية ضاغطة.. فلم يعد الدافع للزواج الملل من روتين الحياة، ولم يعد مرجحا أن يتم الزواج بأسلوب الصالونات القديم، دون أن يرى الشاب الفتاة أو يتعرف إليها، بل أصبح من المقبول أن تعبر الفتاة عن رغبتها في شريك في زمن لا يعتبر فيه الحب ضعفا.. ولا الزواج صفقة يدفع فيها العريس 100 ناقة ليزوجها ولي أمرها دون رضاها وموافقتها.هناك تزايد ملحوظ في عدد الشباب الذين يتأخرون عن الزواج أو يقررون تجنبه بالكامل، مما يعكس التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الكبيرة، فبينما يشعر 43% من الشباب بالضغط الاجتماعي لتلبية توقعات الأسرة، تكون النتائج أن يتم تأخير الزواج؛ فنسبة العزاب في عمر 25 إلى 35 سنة قد ارتفعت إلى 29% مقارنة بـ22% في السنوات السابقة.وبينما يشتكي الشباب من ارتفاع تكاليف الزواج بشكل ملحوظ، وفقا لتقرير مؤسسة الملك خالد في 2023، عبر تزايد تكاليف المهر ومصاريف الاحتفالات، والإعدادات المعيشية من 150,000 إلى 300,000 ريال سعودي، بالإضافة إلى تزايد أسعار العقارات، يصبح العبء المالي مؤثرا على قدرة الشباب على تحمل التكاليف المرتفعة.. ويزيد من عدد الشباب السعوديين الذين قد يفضلون الزواج من خارج المملكة.يعزى التغير في القيم الاجتماعية إلى تصاعد قيم الفردية والاستقلالية، والتركيز على التعليم والمهنة قبل الالتزام العائلي، نجد مثلا أن 62% من الشباب يفضلون تأجيل الزواج حتى تحقيق الاستقرار المهني والاقتصادي، كما تشير إليه دراسة حديثة لجامعة الملك سعود، مما يعكس تحولا مجتمعيا نحو النجاح الفردي كأولوية قبل الالتزام العائلي، كما أن القلق من الطلاق والمشاكل الأسرية المحتملة يلعب دورا كبيرا في زيادة المخاوف من الفشل في الزواج، مما يساهم في تأجيل القرار.ومن الجدير أن نتحدث عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على نظرة الشباب نحو الزواج، حيث تضاعف من هذه المخاوف.. لأنها تقدم صورة غير واقعية للعلاقات وتزيد من التردد في اتخاذ خطوات جدية نحو الارتباط.ولكي نبسط المشكلة.. لا بد أن نعرض الحلول المقترحة لمسألة تكاليف الزواج، حيث يصبح من الأهمية دعم المبادرات التي تشجع على الزواج البسيط والميسر لتقليل الضغوط المالية، كما يمكن للقطاعات الحكومية والقطاع الخاص المساهمة في تقديم قروض أو منح للشباب لمساعدتهم على تحمل تكاليف الزواج، أيضا لا بد من إعادة النظر في معايير الزواج المثالي لتقليل الضغوط الاجتماعية حول المتوقع، وتشجيع احترام القيم الشخصية والتفاهم بين الشريكين كعلاقة تبادلية تتجاوز الأعباء المادية والاجتماعية.لابد أيضا من استيعاب المجتمع لإمكانية الموازنة بين العمل وبين الطموحات المهنية والأهداف الشخصية للشباب بشكل يدعم اتخاذ قرار الزواج في وقت مناسب، ويلعب تطور الثقافة المجتمعية نحو غرس القيم العائلية والاجتماعية في المناهج الدراسية دورا مهما لتعزيز النظرة الإيجابية نحو الزواج.أما عن تصحيح الأفكار المغلوطة وتقديم الدعم النفسي للأفراد، فيمكن أن يتم عبر تشجيع النقاش المفتوح حول الزواج والعلاقات الاجتماعية عبر المنصات الإعلامية والمجتمعية.ما أريد قوله إن تأخر الزواج أو تجنبه يمكن أن يكون له تأثيرات متعددة على المجتمع السعودي منها: تغير الهيكل العمري للسكان، مما قد يؤثر على الأبعاد الاجتماعية كالتقاعد والرعاية الصحية وعدد المواليد.كما سيكون هناك تأثيرات اقتصادية، حيث ستختلف شريحة استهلاك الموارد المالية والاستثمار في المشاريع الشخصية بدلا من النفقات الأسرية، مما سيؤثر على الاقتصاد المحلي.وسيشهد المجتمع تحولات في القيم الثقافية والاجتماعية المتعلقة بالأسرة والعلاقات، مما يستدعي تحديث السياسات الاجتماعية والثقافية لتواكب التغيرات.تأخر الزواج بين الشباب السعودي يعتبر مؤشرا على التحولات العميقة في القيم والأولويات الاجتماعية، جميع العوامل السابقة تلعب دورا رئيسيا في هذا التأخير، ولكن من خلال إعادة النظر في معايير الارتباط، وتعزيز القيم الإيجابية في المجتمع، يمكن أن تتشكل بيئة تساعد الشباب على اتخاذ قرارات ناضجة في وقت مناسب، ما أرجوه ألا ينظر بعض الشباب إلى الزواج على أنه صفقة لشراء سيارة جديدة.. ينتظر فيها انخفاض الأسعار حتى يظهر العرض الأفضل.. فمن يؤجل الزواج كمن يؤجل تنظيف الغرفة.. كلما زادت الفوضى زادت الحاجة إلى التأجيل، هناك من يقول إن أفضل وقت للزواج هو الوقت الذي يكون فيه الشخص ناضجا بما يكفي لتحمل المسؤولية والالتزام، وليس مجرد أن يكون قرار الزواج فيما تفرضه الظروف أو يفرضه المجتمع. فهل بقي الشباب عالقا في متاهات مرحلة ما قبل النضج.. أو أن النضج قد تعدى مستواه بمراحل؟smileofswords@