هاجس التصنيف الأكاديمي: الآثار والتأملات
الأربعاء / 3 / صفر / 1446 هـ - 17:57 - الأربعاء 7 أغسطس 2024 17:57
توفر التصنيفات مقياسا للجامعات لقياس أدائها مقارنة بأقرانها، ومعرفة نقاط القوة ومجالات التحسين.وتتنافس الجامعات والكليات في جميع أنحاء العالم على تحقيق مراكز أعلى في أنظمة التصنيف المختلفة، الأمر الذي يسبب هاجسا ذا آثار عميقة على مستوى العالم الأكاديمي؛ إذ يمكن مثلا أن تؤثر التصنيفات في جذب المواهب من أعضاء هيئة التدريس والباحثين والطلاب، بل وحتى جهات التمويل من الحكومات وشركاء الصناعة، ظانين أن الجامعات ذات التصنيف الأعلى تقدم فرصا تعليمية ومهنية أفضل وأكثر مصداقية وقدرة.ولكن من جهة أخرى، لهوس التصنيف جانب مظلم؛ إذ غالبا ما تركز التصنيفات الأكاديمية على مقاييس قابلة للقياس، مثل مخرجات البحث وعدد الاستشهادات ونسب أعضاء هيئة التدريس إلى الطلاب؛ ما يدفع الجامعات - مع الأسف - إلى إعطاء الأولوية للأنشطة التي تعمل على تحسين هذه المقاييس، وأحيانا على حساب جودة التعليم الأوسع وقيمه، متجاهلة مساهمات الجامعات ومشاركاتها المجتمعية.قد يؤدي هدف الحصول على تصنيفات أعلى إلى خلق ضغط هائل على أعضاء هيئة التدريس لنشر المزيد من الأبحاث، ما يؤدي غالبا إلى ثقافة 'النشر أو الهلاك'.أيضا يمكن أن يؤدي التصنيف إلى إدامة عدم المساواة والإقصاء من خلال تفضيل المؤسسات الراسخة والغنية بالموارد، وقد تكافح الجامعات الأصغر حجما والأقل تمويلا من أجل المنافسة، ما يؤدي إلى تفاقم الفوارق في التعليم العالي.بالإضافة إلى ذلك، من المؤسف أن تلجأ بعض المؤسسات إلى ممارسات غير أخلاقية لتحسين تصنيفها، مثل تضخيم أعداد أعضاء هيئة التدريس، والإبلاغ عن البيانات بشكل انتقائي، وغيرها؛ الأمر الذي يقوض مصداقية أنظمة التصنيف.برأيي، في حين أن التصنيفات الأكاديمية قد توفر رؤى ومعايير محددة، إلا أن الهوس بها قد ينتج آثارا ضارة على مستوى نظام تعليمنا العالي. ومن خلال إدراك المعايير المفروضة على التصنيفات، من الأفضل اعتماد نهج خاص بنا يكون أكثر شمولية لتقييم النجاح الأكاديمي؛ لذا على جامعاتنا أن تتبنى تعريفا أوسع للنجاح والإنجازات يشمل التميز في التعليم والبحث، والتنوع في الأهداف والأساليب المؤسسية، ورضا سوق العمل، والمشاركة المجتمعية على وجه أفضل، وأن تركز على نقاط قوتها ومهامها الفريدة بدلا من الالتزام بمعايير التصنيف، وينبغي تشجيع وتعزيز التعاون من خلال تبادل أفضل الممارسات والموارد والمعرفة وصولا إلى النمو الجماعي والابتكار في التعليم العالي، وهذا ما يتطلب جهدا جماعيا لإعادة تعريف التميز في الأوساط الأكاديمية، وتعزيز بيئة تقدر فيها نقاط القوة والمساهمات المتنوعة.