الرأي

اختصار الكلام بطلقة وأطنان الموت

خالد العويجان

المنطقة على موعد مع ثوران بركان ربما يكون له تداعيات خطيرة للغاية.الحالة العامة تقول إن هناك من هو مخترق ومكسور، وآخر يتراقص طربا على ذلك.والحبر سال لتدوين حسابات الربح والخسارة، ومن تفوق على من ووجوه عابسة وأخرى مبتسمة.

والتهديد والوعيد يملآن الدنيا وعناوين نشرات الأخبار العالمية، والأبواب مشرعة للتكهنات، وعلامات الاستفهام تجد مجالا واسعا هذه الأيام على محيا الكثير.المجتمعات المعنية مصدومة، والمسؤولون مصابونبالذهول.وأجهزة الأمن تبدو أمام حساب عسير، عنوانه الاختراق.وفي مثل هذه المواقف والأحداث، لا بد من دفع الثمن، أي لا بد من وجود ضحايا للمهزلة، والوقت قادم على عديد من الكروت بانتظار الاحتراق.

لا شك أن مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران، عقب أن ارتدت ثوبا سياسيا جديدا مع رئيسها الذي تبوأ منصبه للتو، يعطي درسا كبيرا للتعامل مع المجهول، وربما المصير الذي يستدعي مزيدا من الحذر، لا سيما لدولة كالجمهورية الإسلامية الإيرانية.

لماذا؟ لأنها في واقع حالها ناصبت الجميع العداء، وفقدت عامل التعاطف السياسي من قبل دول ذات ثقل في المنطقة والعالم بأسره.اكتفت بمساندة حفنة من الكيانات والأحزاب السياسية الموصوفة في الأصل عسكرية، وهي منطقيا وواقعيا إرهابية، مهمتها أولا وأخيرا تنفيذ السياسة الخمينية الكبرى.وهذا بالميزان السياسي لا يساوي أكثر من صفر مكعب.

القصد وبعيدا عن حالة اللطم والردح والارتباك في طهران؛ أن إيران لن تكون بعد مقتل هنية على أراضيها، كما كانت في السابق، خصوصا في خطابها العدائي تجاه إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، لأنها فقدت جزءا كبيرا من صورتها الباهية القائمة على شعار الاستكبار، على الأقل في عين الرأي العام المساند لها.

وهذا بالمناسبة ما يجعل خياراتها بمواجهة من تتهمه بالقيام بتلك العملية، في نطاق ضيق جدا، والأكيد أنها أمام حالة استعادة ماء الوجه من الناحية السياسية والاجتماعية.كيف؟ لا بد للحرس الثوري أن ينفذ عملية انتقامية - بصرف النظر عن مستواها وموقعها - حتى لا يبدو هشا في نظر المقتنعين بقوته وعنفوانه.أتصور في هذا الجانب أنه - أي الحرس الثوري - لا يزال يعاني من اغتيال زعيمه قاسم سليماني من الناحية المعنوية، وهذا ما ينعكس بالسلب على حجم الردع والزمان والمكان.

إسرائيل في المقابل لم تعترف حتى الآن رسميا بتنفيذ العملية، كما اعترفت بقتل فؤاد شكر الذي نالت منه مقاتلات سلاح الجو في غارة جوية نفذت على الضاحية الجنوبية لبيروت - معقل ميليشيات حزب الله الإرهابية - الثلاثاء الماضي.

لكن السؤال ما إن افترضنا أن تل أبيب اغتالت هنية؛ لماذا في إيران على وجه التحديد وليس في مواقع أخرى لطالما زارها أبوالعبد؟ أتصور أن ذلك بهدف هز الصورة الكبرى لإيران أمام مؤيديها هذا أولا.ثانيا: أعتقد أن تلك خطوة لإثبات قدرة إسرائيل على التوغل واختراق الأراضي الإيرانية؛ التي لطالما تغنت بقيادة ما يسمى بمحور المقاومة.ثالثا: صحيح أن تل أبيب في حالة حرب غير مباشرة مع طهران، إلا أن هناك عاملا مهما ضمن الأمور التي دفعت لتنفيذ تلك العملية، وهو أن الصوت الإيراني يعاني من تدن في المحافل الدولية.رابعا: الضعف الذي يعاني منه جهاز المخابرات الإيرانية.وإسرائيل لها تجاربها الخاصة، عندما قام الموساد بسرقة الأرشيف السري النووي الإيراني في 2018، بالإضافة إلى اغتيال عدد من العلماء على أراضي بلادهم.

أتصور أن الحكومة الإسرائيلية بمن في ذلك رئيسها، اختارت الصمت نظير تناولها جرعة كبرى من أوكسجين اللامبالاة.بمعنى أنها عمدت إلى ترك التفسيرات متاحة للجميع، فهناك من يمكنه فهم عدم الاعتراف بأنه جزء من عملية استخباراتية محفوفة بالسرية المطلقة، وآخر قد يرى الصمت سيد الأدلة، والبعض سيكيل الاتهام - وهذا مشروع - للنظام الإيراني.المهم في هذا التصور أن تل أبيب ورئيس الوزراء على وجه الخصوص، مستفيدان من هذا التسلسل الدراماتيكي الغامض بكل صوره وأشكاله.

صحيح أن الأمر يوحي بأن العمليتين، عملية فؤاد شكر وإسماعيل هنية، في الميزان المقترن بالرأي العام الإسرائيلي، ستعود على التأييد الشعبي للحكومة، لكنه لا يعفيها من وعودها في اقتصاص الحركة التي لطالما أرقت الإسرائيليين عن بكرة أبيها.

ومن ثم، فإن توقيت العمليتين لا يمكن أن يكون بمعزل عن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لواشنطن، وهي التي سافر لها لأمرين، الأول: وضع حد للعلاقة مع الديمقراطيين الذين يمثلهم الرئيس الحالي جو بايدن، الراحل في الأساس من المكتب البيضاوي.ودليل أن الرجل لم يكن على وفاق معه، ما كشفته تصريحات كاملا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي، التي قالت 'لا يمكننا أن نتجاهل هذه المآسي، ولا نسمح لأنفسنا بأن نصبح غير مبالين بالمعاناة، ولن ألتزم الصمت'؛ تقصد المآسي في قطاع غزة.وهذا كان دافعا لنتنياهو لركوب موجة الجمهوريين الذين يمثلهم دونالد ترامب، الأوفر حظا في العودة للبيت الأبيض لإدارة الولايات المتحدة الأمريكية.

إن البركان الكبير الذي يوشك أن يثور في المنطقة، يفترض أن تكون صفحات النعي جاهزة ومطرزة بالسواد.هذه طبيعة الحال، فلا إجراءات ولا قانون يحمي هذا العالم المنفلت ويلغي لغة السلاح والقتل.لذا فإن الوقت قد حان، لاختصار الكلام بطلقة.. وانتظار أطنان الموت.