خطاب قمة الغطرسة
الاثنين / 23 / محرم / 1446 هـ - 23:22 - الاثنين 29 يوليو 2024 23:22
شهدت طوال عمري خطابات ملوك وأمراء ورؤساء دول ووزراء وقادة وزعماء منظمات رسمية وجماعات إرهابية مارقة، وأعترف بأني لم أشاهد يوما مثل خطاب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الأخير في مبنى الكونجرس الأمريكي الذي كان مزدحما رغم كثرة المقاطعين!خطاب ثقة فرض إعلاميا على أعين العالم، ودون حضور رئيس أمريكا الحالي، ولا نائبته، في أعظم مسرحيات الدهر، بدراما التناقض، والصوت الأوحد يفرض كلماته وتهديداته لكل الدنيا، ويخرق قوانين اللياقة واللباقة في دولة فتحت له أوسع أبوابها، رغم ما رمي عليه من الصراصير والحشرات.ويشتعل التصفيق تسعا وسبعين مرة بمجاملات تحاول تكذيب سيول الدماء المسفوحة بيدي المتحدث، والتي لا يمكن أن تمحى ولو بعد مئات السنين.ما هذا التعنت والفجور والسطوة من رئيس دولة صغيرة تعاير حكومة وشعب أمريكا، بأنها هي من تحميهم بتكنولوجيا الاتصالات والتجسس والمراقبة، فكأنه يخاطب جزيرة موز، وليس أعظم حضارة عرفتها البشرية!مسرحية ساخرة قدم فيها نتنياهو دور البطولة المطلقة، بقصص وأحداث وكذبات وبطولات تستقي من السخف منطقها، بارتجاله خارج النص، دون أن يتعجب أحد، ولا يبادر صوت بسؤال ولو لذر التراب بالعين، فالحضور يدركون أنه المخرج ومنتج مسرحية الفنتازيا تلك، وهم يتمنون دورا فيها، يؤدونه بالفكر المريض والمنطق الأعوج.سيناريو المسرحية ركيك أدبيا وفكريا وتاريخيا، ودلالاتها مريعة، تحاول تنزيه المجرم عما اقترفته يداه، وحتى ولو أبدع الكومبارس في التفاعل معه، كون الفكر الرسمي الأمريكي وثقافته الجديدة تنقصه المعلومة، ولا يستجمع الأسباب، ولا يستنكر أدوار التضاد، بجعل الخير والمحبة والعدالة والتضحيات ملابس سفاح المسرحية شهامة وخير، ويصور الفلسطينيين المنتهكة أرواحهم وحقوقهم ووجودهم بثلة المجرمين!إنه أبشع خطاب يمكن أن تسمعه البشرية على مدى التاريخ، بروح عنصرية التتار، وجور وتهميش الخصوم، وغسيل عقول واستهانة بقيمة الشعوب العربية برمتها، فكأنه لا يحق لمعترض أن يتساءل، رغم أن كرامة البشرية الحية تغلي، وأن محكمة العدل الدولية قد أصدرت مذكرة اعتقال لرب المسرحية بمسؤوليته عن جرائم حرب ضد الإنسانية، وإبادة جماعية!قمة العجب، فهل كان حضور الكونجرس من البشر!؟ أم روبوتات مبرمجة على التبسم والتصفيق، والتسابق لأخذ الصور التذكارية مع المجرم وسط صرح العدالة والديمقراطية!شأو الانزياح والجحف والكذب واللا إنسانية فقدم الممثل بعض من تعرضوا للهجمة الحمساوية، يبهرجون حكاياتهم ويتفاخرون، ويتم تكريمهم، بينما تتبخر دماء أربعين ألف قتيل من المدنيين العزل وحقوق مائة ألف جريح من الغزيين، دفنت حكاياتهم في مقابر جماعية خلف الستارة!العالم الحي يعرف حقيقة مأساة الفلسطينيين، وحقيقة استغلال إيران للفوضى، ودخولها بكل خبثها وميليشياتها وأسلحتها وتحفيزها، وشرورها، لتقديم أهل فلسطين قرابين السرداب وقرب خرافات نهاية العالم.إسرائيل لم تكن يوما حملا وديعا بلا ذنب، والأمر مختلط الخرافات متعب للعقل، والحل لن يكون مسرحية لقلب الحقائق، ولا تقويتها بضحكة خديعة الإبراهيمية، المرعية بعنصرية الصهيونية، ستكون نهاية ثقة المؤيد لها قبل عدوها، وستستمر المسرحيات، بممثلين خونة، وعدوى سماجة التصفيق، ما يوسع مساحات عته المشاهدين، حتى ولو صفقوا وجوههم، من عدم منطقية المسرحية، التي يبدو أن فصولها لا تنتهي، مهما غرق المسرح، والمشاهدون بدموية الإجحاف.shaheralnahari@