الرأي

2040

بسمة السيوفي
في جلسة عائلية كنا نتحاور فيها مع صديق جديد اسمه «تطبيق الشات جي بي تي Chat GPT» صوتيا.. طلب الأحفاد منه تأليف قصة تحمل أسماءهم وبها كلمات اختاروها مثل: دراجة وقمر وفراولة ولعبة التنس، أشياء عشوائية لا علاقة لها ببعض.. وفي أقل من عشر دقائق كنا قد سمعنا قصة جميلة أعادها على أسماعنا بالإنجليزية ثم بالفرنسية.. وسط الدهشة اللذيذة والعيون التي تلمع.وتسكعت أنا بين أعينهم كمن يحمل رمحا وهو مصاب؛ لأتساءل.. يا ترى إلى أين ستأخذنا سطوة التكنولوجيا في صورتها المتسارعة إلى التطور والتحسن في الحياة وسبل العيش؟ وكيف يجب أن يستعد الجيل القادم للتعامل مع كل هذه التداعيات المدهشة والمخيفة؟ بداخلي وجل يتسلق حواف العقول كما تتسلق العناكب زوايا الغرف المهجورة، وأقف مذهولة أمام شاشات تومض بلا توقف، وذكاء اصطناعي مهاب، حاملة في داخلي توترا لا مفر منه.. مما سيكون عليه مستقبل التكنولوجيا القريب والبعيد.التكنولوجيا التي نستخدمها لنتواصل، نعمل، نتسلى، لكننا معها نتأرجح على عتبات الخوف من أن تتحكم بنا، أن تدمر عالمنا كما في أفلام الخيال العلمي، وأن تبقى لغزا شائكا نعجز عن البت في تداعياته؛ فهل نحن من سيقود التكنولوجيا أم أنها ستقودنا؟ هل سنصبح مثل الديناصورات، نتجول في عالم لم يعد يناسبنا؟ كيف ستكون عليه الحياة، إن أمد الله في الأعمار، عام 2040م؟صحيح أنه لن يمكننا التنبؤ بكل تفاصيل المستقبل بدقة، إلا أن التحولات التكنولوجية هي التي تشكل واقعنا الحالي، وتضع الأسس للمستقبل.. وفي الوقت نفسه هي المحرك الرئيسي للتغيير في عالم اليوم.. من الذكاء الاصطناعي (AI) إلى إنترنت الأشياء (IoT) والواقع الافتراضي (VR)، لدرجة أن حياتنا أصبحت معتمدة بشكل كبير على الابتكارات التكنولوجية في ظل توقعات بأن يكون هناك أكثر من 100 مليار جهاز متصل بالإنترنت، مما يعني أن كل مناحي المعيشة سيتم مراقبتها وتحليلها لتحسين الكفاءة وجودة الحياة.التوقعات تقول إن الذكاء الاصطناعي سيتفوق على كل تصوراتنا ويصبح شريكا لا غنى عنه في الحياة.. فقد تستيقظ لتجد أن الروبوت يعد لنا القهوة الصباحية، ويختار ملابسنا، ويخطط يومنا وفق جدول منظم؟ التطور التكنولوجي لن ينتظر أحدا، وبالتالي لا بد من تقبل فكرة أن العمل مع الروبوت والتحدث مع الروبوت كصديق هو حقيقة مستقبلية أقرب مما نتخيل، وسيخلق التعايش بين الإنسان والآلة بيئة عمل أكثر إنتاجية وأمانا، وستصبح الوظائف الروتينية التي كانت تستهلك الوقت والطاقة شيئا من الماضي، تاركة المجال للمهام الإبداعية والتحليلية التي لا يمكن للآلة أن تتقنها مقارنة بالمهارات البشرية الفريدة.«سيكون هناك احتياج إلى البشر للعمل جنبا إلى جنب مع الآلات، وسيكون من الصعب على الجميع التكيف» كما يقول بيل غيتس.. لأن المفتاح هنا هو التكيف والتعلم المستمر؛ فمثلا بحلول 2040 ستختفي 85 مليون وظيفة لصالح الذكاء الاصطناعي، وسيكون هناك 65% من الوظائف وظائف جديدة لم يتم اختراعها بعد.المستقبل يقول إن الاقتصادات الأكثر ابتكارا وتكيفا ستكون الأكثر نجاحا، حيث سيعزز الذكاء الاصطناعي من القدرة على تحليل الأسواق واتخاذ القرارات الاقتصادية، وسيكون هناك تحول نحو الاقتصاد العالمي الرقمي والتجارة الالكترونية، وستلعب العملات الرقمية وتكنولوجيا «البلوكشين» دورا أكبر في الأنظمة المالية العالمية، وستساعد الابتكارات في الطب وعلم الوراثة في زيادة متوسط العمر وتحسين نوعية الحياة.حيث قد تعيد تكنولوجيا الواقع المعزز والافتراضي تشكيل كيفية تقديم الرعاية الصحية.يرتبط كل ذلك بتوقعات زيادة عدد سكان العالم إلى 9.7 مليارات نسمة في 2040، مما سيقلص الفجوات بين الثقافات المختلفة نتيجة للتغيرات الاجتماعية والتحولات في التركيبة السكانية والهجرة العالمية، وسيزيد من تنوع التحديات مجتمعيا، كما سيتحسن مستوى التعليم نتيجة تقدم التكنولوجيا مما قد يؤدي إلى تعليم عالي الجودة عبر الإنترنت، وسيكون هناك احتياج لتلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة ببناء عقليات شغوفة للمعرفة تستثمر ذكاءها في تخصصات يقوم عليها المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي، علوم البيانات، والهندسة الروبوتية.إلا أن توقع المستقبل يبقى مليئا بدرجات عدم اليقين؛ لأن التغيرات الجذرية والمفاجئة يمكن أن تتحدى أي توقعات مهما كانت دقيقة.. لكن ما لا يمكن قياسه لا يمكن تطويره.. وعلم توقع المستقبل هو دراسة الاتجاهات والأنماط الحالية للتنبؤ بالتغيرات التي قد تحدث مستقبلا والتخطيط لها بفعالية.. لذا كان استشراف مستقبل البشرية وفق سيناريوهات إيجابية أو حتى سيئة ضرورة لتقليص المخاطر المحتملة والتحديات المتوقعة ينتج عنه اتخاذ قرارات مستنيرة ومدروسة.المستقبل لن يرحم الكسالى، ولن يترك مكانا لمن لا يستعد له، والعالم يسير بخطى حثيثة نحو مستقبل يرتكز على التحولات السريعة التي لم يعد بإمكان الوعي البشري أن يواكبها.. لكننا لن ندمر الحاضر بالقلق على المستقبل لأنه بفضل الابتكارات والاستعداد للتغيير يمكن أن يكون العالم مكانا أفضل.. ومع ذلك سيكون تحقيق هذا المستقبل المشرق مرهونا بمدى قدرتنا اليوم على التكيف واتخاذ القرارات الصائبة؛ فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أفضل أو أسوأ شيء يحدث للبشرية.. لكن الحل ليس في الإنكار أو المقاومة، بل في التكيف «فأفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي ابتكاره».سأعود الآن إلى قصة فيها أسماء من أحب.. وأشياء كالدراجة والقمر والفراولة ولعبة التنس.. إلى كل الأشياء التي لها علاقة.. والتي ليست ذات علاقة.. سأعود لطاولتي.. لا شيء معي إلا توقعات.smileofswords@