الرأي

ماذا يعني أن تتحكم شركة في مستقبل العالم؟!

عبدالحليم البراك
ألا يبدو أن التحدي بلغ أوجه التقني؟إن حادثة شركة كراود سترايك سواء كان العطل نتيجة هجوم سيبراني أو نتيجة خلل تقني أو تحديث مجدول للبرمجيات، وبغض النظر، سواء كانت الشركة لها أجندة استثمارية في مناطق محددة من العالم أو غير ذلك فإن وضع العالم على كف عفريت وبيد شركة واحدة يمكنها أن تعطل ولو واحد في المئة من الطيران حول العالم، أو خمسة في المئة من شركات الفنادق أو غيرها من القطاعات الحيوية حول العالم؛ هذا يثير سؤالا كبيرا في عالم التقنية وسيطرتها على حياة الإنسان وأن الإنسان يحتاج فعلا أن يعيد نظرته نحو التغول التكنولوجي الذي لا يتوقف بل يمكن التعبير عن هذا التغول بعبارة أكثر رعبا وهي أن هذا التغول لا يعرف على وجه التحديد مداه الحالي ولا مداه المستقبلي ومدى تأثيره على حياة الناس ومستقبلهم.يمكن أن تتعرض هذه الشركة أو أي شركة أخرى تقدم خدمة عالمية لقطاع كبير من الشركات الحيوية كشركات الاتصالات أو شركات الطيران أو النقل أو الشركات المالية أو شركات التأمين أو الشركات الصحية لمجموعة من الأزمات يمكنها أن تقلق العالم بأسره، فاستهداف هذه الشركات بالتخريب الخارجي محتمل، وأن تكون جزءا من صراع إقليمي أيضا، هذا من الممكن أن يرد، كما يمكن أن يتسلل مخرب من الداخل لهذه الشركة، وإن كان يعتبر نوعا من الانتحار الشخصي، لكن يمكن لبعض القنابل البشرية الكامنة أن تفعلها أو تلك الشخصيات غير المستقرة فكريا أيضا أن تفعلها وهذا يبقى احتمال.كما يمكن للشركات أن تكون خاضعة لأيديولوجيات معينة من قبل ملاكها أو مؤسسيها أو حتى بعض العاملين فيها ليستخدموا هذه القوة التي يملكونها لصالح أهدافهم الإيديولوجية، ليس هذا فحسب، بل من المؤكد أنه في حال نشوب صراعات إقليمية أو دولية أن تكون هذه الشركات أيضا وسيلة من وسائل الصراع والضغط وأن تستخدم كسلاح في الحروب ولذلك تبدو الدول التقليدية أكثر أمانا أحيانا من أن تكون تحت رحمة هذه التكنولوجيا العالمية (لكن هذا لا يعني أنها دولة ذكية أو أنها متقدمة أو أن ما تفعله يعني أنها في الطريق الصحيح).بالعودة إلى إمكانات الحل لهذه الإشكالية؛ فالشيء المؤكد أن هناك بالفعل خطط طوارئ تنتهجها الدول والمؤسسات العريقة من أجل حماية نفسها، ولأن خطط الطوارئ هذه وإدارات المخاطر وكذلك الخطط البديلة ليست سوى تفكير بشري هي الأخرى، فإنها قد تكون عرضة هي الأخرى للخطأ الذي يمنح التفوق لآخرين أو يسمح للأخطاء التقنية أن تضرب العالم ونكون جزءا منها، ويبدو أن الإيغال في التقنية يجب أن يكون مدروسا كما يجب أن يكون العنصر البشري حاضرا لمنع التغول المتوقع للتقنية كما أن تفوق الأمم سيكون بقدر ما تفترضه من مخاطر محتملة وكيفية مواجهتها والخطط البديلة التي يمكن أن تنتهجها هي الأخرى من أجل أن تسير حياتها كما لو لم تتأثر بالحاصل.إن الوصول للتقنية لأقصى مدى يمكن أن يحقق مكاسب مهولة، ويمكن للدول والمؤسسات التي تتبنى الحلول التقنية أن تكون رائدة ومن المبادرين الأوائل في تحقيق المكاسب لكنها ربما تكون أيضا من أكثر المؤسسات تعرضا للمخاطر من غيرهم ممن تأخروا ولو قليلا عن المبادرة خاصة عند عمل خطط الموازنة بين القيمة الحاصلة من التقنية ومقارنتها بحجم الخطر المتوقع لو حدث، وحتى يكون الأمر أعمق من هذا بكثير، فربما نحتاج لهيئات متخصصة تجيز التقنية بعد دراستها لتحقق كفاءتها مع تقليل مخاطرها وتكون هذه الهيئة إما محلية أو دولية لكنها ضرورة سيفرضها هذا الركض المسعور نحو التقنية!Halemalbaarrak@