الرأي

ما أحوجنا اليوم إلى تصريح بولجانين!

زيد الفضيل
على إثر العدوان الثلاثي الغاشم على مصر عام 1956م، وفي ظل صمت العالم في وقته، وتجاهل الولايات المتحدة لضراوة الحرب التي شنتها إسرائيل بدعم ومساندة واشتراك بريطانيا وفرنسا، أعلن الاتحاد السوفيتي بزعامة نكيتا خروشوف في حينه على لسان رئيس وزرائه نيكولاي بولجانين تصريحا حادا جعل الولايات المتحدة تخرج من صمتها بالرغم من تحججها بانشغالها بفترة الانتخابات الرئاسية، لتأمر بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بوقف عدوانها الظالم على مصر.كان فحوى التصريح السوفيتي يشير إلى أن روسيا ستقصف العواصم الثلاث بصواريخ نووية في حال لم يتوقف العدوان الثلاثي على مصر، وكانت الرئاسة الأمريكية والعواصم الثلاث تدرك جدية التصريح وبخاصة وأنه صادر عن قيادة عليا في الاتحاد السوفيتي، وهو ما أكدته المحاضر السرية الإسرائيلية التي تم الكشف عنها، والتي أوضحت بأن رئيس الحكومة ديفيد بن جوريون، ووزيرة الخارجية جولدا مائير، كانوا على يقين بجدية التصريح السوفيتي.واليوم ونحن نعيش العبث الإسرائيلي، والصلف المتوحش في التعاطي مع قضية فلسطين، ألسنا في حاجة إلى إعلان موقف حاسم شبيه بإعلان موسكو يوقف نزيف الدم وارتكاب إسرائيل لأبشع المجازر في غزة؟مع الإقرار بفشلهم العسكري في تحقيق أي انتصار حقيقي بالرغم من قتلهم لآلاف الأطفال والنساء وكبار السن والمدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة، وقصفهم المستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين، وكل ذلك يجري بمرأى ومسمع من السياسيين الغربيين الذين يرفضون الضغط على إسرائيل للقبول بتسوية إنسانية وسياسية عادلة.أستذكر ذلك وأنا أرى رئيس الحكومة الإسرائيلية وأعضاء البرلمان (الكنيست) مصرون على قطع كل طريق للسلام، وهو وإن كان ديدنهم من قبل، لكني كنت أتصور بأن عاقلا في إسرائيل سيخرج ويقول لليمين المتطرف كفى سفكا للدماء؟ ليس من أجل العرب والفلسطينيين بخاصة، وإنما من أجل الحفاظ على أمنهم وسلامتهم؛ غير أن كل تفكيري المنطقي باء بالفشل، لأدرك يقينا بأن الصلف الإسرائيلي مستمر، وأنه سيقودهم للزوال من الوجود.لعل اليهود نسوا بأن الغرب المسيحي كان كارها لهم، ويراهم زمرة شيطانية، في الوقت الذي عاشوا فيه بأمان وسلام في كنف المجتمعات العربية، بل ومارسوا طقوسهم وعباداتهم بأمان، وعاشوا في أحيائهم معززين مكرمين، ثم وحين قامت لهم قائمة بتأييد عسكري غربي، وأصبح لهم دولة، أخرجوا حقدهم على العرب الذين أحسنوا إليهم، وعلى الفلسطينيين الذين عاملوهم بود مطلع العشرينات من القرن الماضي.وكأنهم بذلك أرادوا أن يكملوا دائرة نقمة العالم منهم، حتى إذا فاق الناس شرقا وغربا، لم يجدوا من يرحمهم أو يحميهم، ولله حكمة بالغة في ذلك.على كل ففي المعطى السياسي وفي ظل تفلت الصراع عن قواعده المنضبطة، وتوسع دائرة الطوق لتشمل اليمن وهو بعيد جغرافيا عن فلسطين المحتلة، والذي وصل قبل ليلتين بمسيراته إلى تل أبيب، وتلك سابقة في الصراع، كما كان قد وصل إلى ميناء إيلات من قبل، وأثر كليا على وتيرة العمل في الميناء الذي يغطي ثلث الصادرات والواردات لإسرائيل.في ظل ذلك بات مهما أن تخرج أمريكا عن صمتها، وتوقف الصلف الإسرائيلي بقيادة نتنياهو الذي يتصور بأنه ليس له طريق للنجاة من المحاكمة والسجن إلا بإحراق الإقليم والعالم من ورائه.فهل العالم مستعد للدخول في حروب استنزاف مدمرة لاقتصاده ومعرضة أمنه وسلامه للتلاشي؟أشير إلى أن بوتقة الصراع لن تكون محصورة في الإطار الإقليمي، وإنما ستمتد خارجه، وسيكون لها تبعاتها المؤذية للجميع، فهل من رشيد على الصعيد الدولي فيوقف هذا النزيف؟وهل من عاقل في إسرائيل ليدرك أن نجاتهم وأمانهم كامن في المضي قدما في خطوات السلام العادل والشامل؟zash113@