الرأي

رباعية التأمل الإيماني

ياسر عمر سندي
يتفق المختصون والمهتمون في مجال علم النفس ودراسات علوم القرآن على أن سلوك التأمل المستدام يقود الإنسان إلى أعلى مراتب الاستشفاء الذاتي وتحديدا من خلال الموجودات الكونية والماديات الطبيعية التي خلقها البارئ المصور وذللها من حولنا لتمدنا بالطاقات الموجودة من حولنا في جماليات الحيوانات والحشرات والأشجار والأحجار لتتفاعل مع البشر ويتعاظم تأثيرها أثناء حالة التبصر والاستبصار وديمومة المتابعة بالنظر المباشر وما وراء ذلك بالتدبر ثم تنتقل إلى حالة التفكر في العقل ليستقر من خلالها الإنسان ويستشعر نعمة التأمل والراحة النفسية المتعدية ليصل إلى قمة التشبع الإيماني.قال تعالى في محكم تنزيله «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت» سورة الغاشية.هذا التساؤل الاستنكاري من الخالق للمخلوق بأن ينظر ويستحضر رباعية التأمل «الإبل والسماء والجبال والأرض»، مع أفعال مضت «خلقت ورفعت ونصبت وسطحت» تدل على اكتمال إبداعها من مبدعها.أولا: الإبل، مخلوق مذهل في خلقه وخلقته وتشريحه وبنيته يستأنسه الإنسان ويرتبط معه في كل موضع وحالة يستشعرها من أسماء وألوان هذا المخلوق العجيب؛ فاسم الجمل للذكر والناقة للأنثى والإبل في حالة الرعي والمجاورة؛ والبعير لكبر أحجامها للتحمل والركوب والحروب؛ والعير للبضائع والقوافل؛ والهجن في حالة السباق والجري؛ والخلفات لإدرار الحليب؛ وألوانها كالمجاهيم بسوادها والمغاتير ببياضها والحمر بحمرتها والشعلاء بتداخل ألوانها؛ كذلك التأمل في صبر هذا المخلوق يعكس للإنسان الشعور بالقوية والتصبر والتحمل والألفة، ناهيك عن الاستفادة المجتمعية والطبية من أكل لحمها ووبرها وبولها كما ذكر العلماء والأطباء.ثانيا: السماوات؛ فالآية بسورة لقمان «خلق السماوات بغير عمد ترونها»؛ تحدى الخالق البشر بالسماوات رؤيتها بلا أعمدة؛ أما في سورة الغاشية يدفعنا المبدع جل وعلا للنظر في ارتفاع السماوات والتعمق في جانبها الإبداعي للقمر والشمس والنجوم والكواكب والسحب والغيوم التي تعطي الكثير من الارتياح المشاعري المنعكس منها.ثالثا: النظر للجبال يعطي ذلك الإحساس بالصلابة والشموخ في مواقف الوهن والخذلان اذا تأملها الإنسان ليستمد قوته الخفية الدافعة للتصبر والجلد على مدلهمات الحياة لينتقل من حالة الضعف إلى القوة من خلال ذلك النظر المستدام.رابعا: النظر لتسطح الأرض بالمناطق الصحراوية والزراعية والسكنية الممتدة تسهل على الإنسان العيش والمرونة في الانتقال ليستشعر التقبل بعد التقلب دون تذمر؛ فانبساط الأرض بعد وعورة الجبال ترفع المعنويات ليصل الإنسان للنهايات.يقول الكاتبان «إستر وجيري هيكس» في كتابهما الطاقة المدهشة للمشاعر؛ «اسمح لمشاعرك أن تكون دليلك، فالكون يواصل تمدده من خلالك، وأنت محاط بتفاصيل رائعة، ومحددة لتجارب الحياة وعندما تراقب عالمك فأنت تراه بعينك وتسمعه باذنك وتشمه وتتذوقه وتلمسه من خلال حواسك التي تقوم بفك رموز ذاتك».Yos123Omar@