الرأي

ضرورة عودة ملابس مجالدي أوروبا الفولاذية

شاهر النهاري
قد يفوت الكاتب عدة مناسبات أو حوادث لا يحبذ الكتابة فيها، بمعرفة أن الحدث كلما ازدادت أهميته، كثر من سيكتب فيه، فيخشى أن تكون كتابته غثاء أحوى، يردد فيه كالذكاء الاصطناعي ما تقوله مصادر الأخبار، وتجتر أعشابه مواقع التواصل حد التخمة، ويتردد من يفكر بقراءة مقاله، أو من ينظر شذرا لتحليلاته من خلف نظارة الفحص ويضحك.حادثة إطلاق النار على الرئيس ترمب، والتي تعرفون حكايتها، وكامل جوانبها وتداعياتها وما أحدثته في بلد الديمقراطية الأعظم عالميا، وما سمل أعين الرقي بلهيب أسياخ صراعات التحزبات السياسية المتجددة بين الفيل والحمار.مشاعر كره وخلافات وتناقض تزلزل هذا البلد المحوري لسائر دول العالم، لتنتفي عنه الثقة، وليصبح مركزا لمخاوف كل مرتعب من سياسات خرقاء قد تطوله، حتى ولو كان متحوصلا وسط صدفة دانة بحرية، مجهولة الإحداثيات.الحادث مخيف مفتوح النهايات، فهل كان الاغتيال عملا فرديا لشاب غرير، أو لمحركين من الداخل أو الخارج، أو أنها صرعة شهرة الخلود بصورة الدماء على الوجه؟إخراج هوليودي على الهواء، يعجز حتى جيمس بوند من تأدية أدواره، بالتفاف مستحيل عن مسار الرصاصات، وسط حارسات جميلات، وحراس زومبي، وتخطيط ناقص، يفتقد مبادئ فحص الأمكنة المفتوحة، أثناء وجود شخصية هامة!أمريكا في سنواتها الأخيرة طالها ما جرعته لغيرها من الدول، فزارتها الفوضى الخلاقة، وعمتها سياسة الضد والكره، والعنصرية، والتحزب والتشكيك، واستغلال السلطة، بمنافسات غير شريفة، وتغليب الأقليات والمتحولين، وتحقير الرموز وبما يقطر له الأذن بالدم.تابعت كغيري الأحداث دقيقة بدقيقة، وشعرت باحتياج لجمع حطام مؤامرات الكون، وصهرها في بوتقة فرن عظيم، وسبكها في قوالب معدنية على شكل خوذات ودروع وملابس تتمكن من مواجهة السيوف والرماح، والمنجنيق، وجلجلة المدفع أبو فتيلة!فعلا، لا بد من إعادة تصنيع الملابس الحربية الأوروبية الفولاذية وإجبار السياسيين على ارتدائها، لحماية أنفسهم من شرور الحقد والمؤامرات وطلقات الغدر، وبندقية مدلل كاره اشتراها والده، فيظل يعتلي المباني بثقة سبايدر مان، والحراس يلوون أعناقهم عنه، محتقرين حجم بندقيته، ومهما نبههم إليها الحضور!الملابس الحديدية أفضل حل لكل سياسي يجهل من يحبه من الجماهير، ومن يندس بينهم لأذيته، ومشكلتها الوحيدة أننا لن نعود نرى وجه السياسي، فلا نحدد بؤرة الهدف!أرأيتم لماذا لم أهتم بالكتابة عن رصاصة الرئاسة القادمة، أو سنتيمترات تفصل أكبر حضارة بشرية عن حرب أهلية، أو منثور دماغ على مواقع التواصل، أو ثمن البيت الأبيض أذن بلا حلمة، أو قبضة الانتصار، وحقيقة فكلها تصلح عناوين للمقال.بوتين نال مراده من الشماتة، وكذلك فعل جميع أعداء أمريكا، فالفوضى الخلاقة عدوى لا لقاح لها، وسكين على كل الرؤوس، لا بديل لها إلا مقص حلاق ملوث، قد يقص الأذن، وينغرس في الحلق.خلف كل مقال مؤجل، فكرة تختبئ، ومخاوف من عدم الفهم، وخلف كل رصاصة داعمين، ومؤامرات وخداع وانتهازية ولوبيات وخونة، وأموال مشفرة تدفع، بذكاء وخبث وحقارة.وثائقيات تاريخ السياسة العالمية، يكتبها المنتصر القاتل المتسلسل، بحبر الدم، وريشة الحقد والكره، وحقيقة فقد تعبت من محاولات التحليل السياسي، والتعايش كتابيا مع نظريات المؤامرات والشكشكة!shaheralnahari@